عملية إيلات تربك كيان الاحتلال..وتؤكد إرادة المقاومة

يقول الصحافي الصهيوني “أليكس فيشمان” في مقال له تحت عنوان “جبهة سيناء” : ” أمس واجهت إسرائيل أكبر عملية خرجت من حدود مصر، بعد سنين طويلة كانت فيها هذه الحدود هادئة”، وإذ يوجه سلسلة انتقادات لأجهزة الأمن في كيان الاحتلال، يضيف “يسهل جهاز الأمن الحياة على نفسه، فهو يقول إن مصدر سلسلة العمليات التي وقعت أمس في النقب هو قطاع غزة، ولهذا سيدفع قطاع غزة الثمن”.

تظهر الاستنتاجات التي ينتهي إليها الصحافي الصهيوني، ومثله كثيرون من المحللين الصهاينة، وكثير مما تفيض به وسائل إعلام العدو الصهيوني، حالة ارتباك كبيرة في التعامل مع وقائع وتداعيات العملية النوعية في ” أم الرشراش” أي إيلات، كما أن القصف الوحشي، وعمليات القتل التي يشهدها قطاع غزة نتيجة لهذا القصف العشوائي يقدمان أيضاً دليلاً إضافياً على الارتباك الذي تعيشه المؤسسة الصهيونية، بكل أجهزتها.

من المتصور أن هناك ثلاثة عوامل أساسية وراء هذا الارتباك:

الأول: يتصل بالحساسية الشديدة لمنطقة وقوع العملية.

والثاني: يتمثل بالدقة والاتساع اللذين ميزا هذه العملية النوعية، وعجز الاحتلال عن تحديد ما يمكن أن يعتبره ” مصدر التهديد” أو الجهة المنفذة.

أما الثالث: فهو فشل ما أسمي بالقبة الحديدية في حماية المستوطنات الصهيونية من صواريخ المقاومة الفلسطينية التي أطلقت رداً على قصف القطاع.

تشكل إيلات نقطة تماس حرجة، ففيها تلتقي حدود فلسطين المحتلة مع مصر والأردن والجزيرة العربية، وهي نافذة فلسطين على البحر الأحمر، وتقع في منطقة تضاريسية صعبة جداً، يصعب التحكم بها على نحو  كامل.

وتحتل المنطقة مكاناً بارزاً في ذاكرة المقاومة العربية، إذ شهدت واحدة من أشهر العمليات الفدائية المشتركة بين وحدة من البحرية المصرية، ووحدة من رجال المقاومة الفلسطينية، وبسبب موقعها الحساس، تطبق سلطات الاحتلال إجراءت أمنية مشددة في المنطقة التي تشهد أيضاً حركة سياحية كثيفة.

قد أبدى الصهاينة على الدوام تخوفاً إزاء أي تحرك في ” أم الرشراش”، واتسمت جميع العمليات التي نفذتها المقاومة في هذا المكان بالجرأة والنوعية، ما جعل من كل عمل مقاوم هنا نذير رعب بالنسبة لدولة الاحتلال.

العملية التي نفذت أخيراً، كانت أيضاً نوعية ومحكمة، وبرغم التكتم الشديد من قبل الإعلام الصهيوني، وعدم تقديم رواية من المنفذين حتى الآن، يمكن التقرير بأن عملاً منسقاً طاول مجموعة أهداف دفعة واحدة، حيث جرى ضرب حافلة بقذيفة مضادة للدروع، ولم تظهر صورة لهذه الحافلة على شاشات التلفزة، وهوجمت أخرى بالرشاشات وهي التي ظهرت صورتها، فيما استهدف جيب عسكري بواسطة عبوات ناسفة، وقد تبين أن الحافلات كانت تقل جنودا صهاينة، وبينهم أشخاص بارزون في الوحدة المتخصصة ب”مكافحة الإرهاب” على ما نقلت وسائل إعلام صهيونية.

وعلى ما يفهم مما تسرب من وسائل إعلام العدو، فإن التنفيذ جرى من ثلاثة أماكن  في وقت واحد، وتضاربت الأنباء عن عدد المهاجمين، فتحدث الصهاينة عن ثلاثة، ثم عن سبعة، ولاحقاً عن عشرين، كما وقع تبادل لإطلاق النار مع جنود مصريين ما أسفر عن استشهاد خمسة منهم.

سوف تكون هناك حاجة إلى بعض وقت لمعرفة ما جرى، فالعدو يتحكم بالمعلومات حتى  الآن، ويتضح حرص شديد عن عدم الإفصاح عن كل شيء، إما “لدواع أمنية” تخص الصهاينة، وطبيعة الضربة التي تعرضوا لها، وإما الحفاظ على معنويات المستوطنين الذين يعرفون معنى تعرض أمن كيانهم لهذه الضربة النوعية في إيلات بالذات.

 

ومن ضمن عملية التكتم والتعمية المزدوجة سارع الصهاينة بتوجيه الاتهام إلى المقاومة في قطاع غزة، وتحديداً إلى “لجان المقاومة الشعبية، وذراعها العسكري “ألوية الناصر صلاح الدين” وفي هذا ما يذكر بالسلوك الصهيوني التقليدي المتمثل بتوجيه الاتهام إلى طرف ثالث، وتحريك الآلة الصهيونية ضده.

على أن العدوان على قطاع غزة والذي استهدف بداية قادة لجان المقاومة، عاد ليتحول وبسرعة إلى عملية قتل مفتوحة طاولت العشرات من أبناء القطاع، وممن ليسوا على صلة بالتنظيم المعلن استهدافه.

ولكن تداعيات هذا العدوان الذي أريد منه توجيه الأنظار إلى القطاع بالذات، لتغطية تفاعلات العملية ولشد العصب في كيان الاحتلال، الذي يشهد تحركات ضد حكومة نتياهو، ارتدت سلباً على الصهاينة وزادت إرباكهم، خصوصا بعد أن قام رجال المقاومة بتوجيه صواريخهم نحو المستوطنات الصهيونية دون أن تنجح “القبة الحديدية” في اعتراضها أو تقويض فعاليتها.

وأضاف استشهاد الجنود المصريين عنصراً آخر إلى الارباك الصهيوني، وكان من المتصور أن تشكل هذه الواقعة نقطة فاصلة في مسار العلاقة بين كيان الاحتلال ومصر ما بعد سقوط مبارك، لكن الوقائع التي تسارعت بعد ذلك حملت مؤشرات متعاكسة، فقد شهد الشارع المصري تحركاً أمام السفارة الصهيونية، وكانت هناك مطالبات بطرد السفير، لكن الحكومة المصرية أبدت تردداً كبيراً، وبعد إشاعة سحب السفير المصري من دولة الاحتلال، قدم وزير الحرب الصهيوني شبه اعتذار، عبر فيه عن الأسف لسقوط الجنود المصريين، وبدأت عملية طي للملف من الناحية الرسمية على الأقل، حتى مع بقاء رئيس الوزراء المصري د. عصام شرف على الموقف القائل: إن الاعتذار غير كاف، والدم المصري لن يراق دون رد.

جاء الرد المصري أقل من المتوقع رغم البعد الرمزي لإيلات في الوعي الشعبي، كما أن إقفال ملف سحب السفير رغم استمرار العدوان على غزة، يحمل مؤشرات لا تتناسب والتوقعات الشعبية مما تحسبه مصر الجديدة، ولذلك فقد أصبحت التحركات الشعبية قي الشارع المصري أكثر حدة، وقام شاب مصري بنزع العلم الصهيوني عن مبنى السفارة، ليضع العلم المصري مكانه.

على كل حال، فإن الحديث عن “جبهة سيناء” من قبل الصهاينة، يفتح بوابة احتمالات متعددة، فمنذ فترة يدور الحديث عما يصفه المحللون الصهاينة بالتهديد الجديد، والخطط جاهزة لبناء جدار فاصل على الحدود الفلسطينية المصرية، كما يتداول كبار المحللين العسكريين الصهاينة أفكاراً حول إعادة التدريب، وتحديد مصادر التهديد.

وسط كل ذلك، فإن ما لا ينبغي أن يغيب عن البال أبداً، هو: إرادة المقاومة، وحراك المقاومة الذي سيظل يطارد الكيان الغاصب لأرض فلسطين، وللحقوق العربية، والمقاومة عادة ما تظل مصرة على الاحتفاظ بعنصر “المبادرة” وامتلاك القدرة على مفاجأة العدو.. وإرباكه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *