الخطة الفرنسية.. نسخة باريس من خطاب أوباما

أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس موافقته على المبادرة الفرنسية، التي عرضها وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه في رام الله نهاية الأسبوع الماضي. وتقوم الخطة الفرنسية على الدعوة إلى إطلاق المفاوضات في مؤتمر باريس نهاية الشهر الجاري أو مطلع الشهر المقبل على أساس بحث قضية القدس واللاجئين بعد عام.


وقال الوزير الفرنسي: إن الحدود يجب أن تبحث على ساس خط الرابع من حزيران (يوليو) عام 1967 مع تبادل متفق عليه للأراضي وترتيبات أمنية للدولتين. وفي شأن اللاجئين والقدس، أضاف جوبيه: “طبعاً لن يتم تأجيل هاتين القضيتين إلى ما لا نهاية، وإنما لمدة عام واحد فقط”.
والخطة كما عرضها الوزير الفرنسي، هي نسخة طبق الأصل عما عرضه الرئيس الأمريكي باراك أوباما في الخطاب الذي ألقاه، قبيل لقائه رئيس حكومة الاحتلال في واشنطن، الشهر الماضي.
وقد أشار جوبيه إلى هذا الأمر صراحة حين قال: إن الخطة بنيت على المبادىء التي حددها الرئيس باراك أوباما في خطابه الأخير، معتبراً أن الخطاب المذكور “شكل نافذة” خصوصاً عندما تحدث عن حدود عام 1967. وقال إنه في حال وردت ردود إيجابية من الأطراف، فإن بلاده ستدعو إلى مؤتمر في باريس في نهاية الشهر الجاري أو مطلع الشهر المقبل لإطلاق المفاوضات.
واقع الحال أن المقاربة التي قدمها الرئيس الأمريكي، تتطابق مع طروحات رئيس الاحتلال. وقد فصلنا القول في هذا الأمر في مقالة سابقة، على هذه الصفحة، وما يعرضه الفرنسيون هنا يقدم آلية للتعامل مع المقاربة المذكورة، والتي أتت كما هو معروف، في سياق محاولة وقف التحرك الفلسطيني المعلن عنه بالتوجه إلى اللأمم المتحدة في أيلول / سبتمبر المقبل.
أما موافقة رئيس السلطة على المبادرة (الخطة الفرنسية) فقد كانت متوقعة أيضاً. وقد أشرنا إلى أن السلطة وهي تتحدث عن التوجه إلى المنظمة الدولية، بوصفة مناورة للدفع باتجاه فتح فرصة ما للمفاوضات، وهو ما يبدو أن الخطة الفرنسية تحققه. وذلك دون أن تنطوي مضامينها على تلبية أي مما وصف باشتراطات فلسطينية من أجل العودة إلى المفاوضات.
ولعله من الواضح تماماً أن الخطة لا تتحدث عن وقف الاستيطان، أو حتى تجميده، فضلاً عن كونها تلحظ منذ البدء تأجيل قضيتي القدس واللاجئين، وقد كان هذا التأجيل مفتوحاً في مقاربة أوباما، وصار محدداً بسنة واحدة في الخطة الفرنسية.
جرى تأجيل “القضايا الكبرى” كما وصفت، عند توقيع اتفاق أوسلو. وكانت النتائج كارثية كما نعلم. تضاعف الاستيطان، واستمر تهويد القدس بوتيرة سريعة، وجرى إحداث تآكل عبر نصوص رسمية وتبادل مبادرات بشأن اللاجئين.
عبارة سحرية ولكن..
يحمل ماهو معروض اليوم، عبارة سحرية تشير إلى حدود الرابع من حزيران عام سبعة وستين. وتستخدم هذه العبارة للتغطية على مضمون كارثي من الناحية العملية، فعقب إيراد هذه العبارة، يتم إلحاقها بالحديث عن تبادل الأراضي. وهذه تبطل تلك، فإن تعلق الأمر بالتبادل انتهت صيغة الحدود المشار إليها. وضمن الاحتلال أمرين في آن معاً: الأول: بقاء كتل المستوطنات على حالها، وإعلان ضمها رسمياً إلى دولة الاحتلال. والثاني: فتح الباب أمام تحقيق يهودية الدولة، عبر إخراج الكتل السكانية الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام 48، إلى الدولة الجديدة.
وفوق كل هذا يبقى العمل على تهويد القدس جارياً دون عراقيل، حتى إذا ما جاء وقت الحديث عنها، إن جاء، لم يعد هناك ما يمكن البحث فيه. كما يعطى الاحتلال فرصة أخرى لتشكيل البيئة الطاردة للفلسطينيين في القدس، والأراضي المحتلة عام 48.
ومن الملفت على هذا الصعيد، تزامن الإعلان عن المبادرة الفرنسية، مع الكشف عن مخططات صهيونية تهدف إلى ترحيل مالا يقل عن30 ألف مواطن فلسطيني في منطقة النقب، عن أراضيهم، وكذلك أكثر من 8 ألاف فلسطيني في البلدة القديمة لمدينة عكا من بيوتهم.
ويشهد تهويد القدس تحركات غير مسبوقة، ففضلاً عن تخصيص عشرات ملايين الدولارات للأنشطة الاستيطانية، يتم التحضيرلإطلاق سلسلة من الاعتداءات على المسجد الأقصى. وبحسب تقارير جهات فلسطينية معنية بالدفاع عن القدس، فإن الأيام القادمة سوف تشهد تصاعداً كبيراً في هجمات المستوطنين على الأقصى مدعومين بغطاء من حكومة الاحتلال.
عند هذا الحد يمكن طرح السؤال: ما هو الجديد الذي يبرر موافقة السلطة على الخطة الفرنسية؟ وبكلام آخر العودة إلى المفاوضات؟ في الواقع: لا جديد بل قديم ومعروف ومتوقع.
لقد قالت السلطة دوماً: “لا بديل عن المفاوضات إلا المفاوضات”، وتفننت في إهدار كل ورقة قوة لديها. أكثر من ذلك، هي لا تطيق حتى إزعاج الاحتلال، فإن كان التوجه إلى الأمم المتحدة يزعجه، جرى البحث عن أول فرصة لمغادرة ما هو مزعج، نحو ما هو مريح.
إن كان هناك جواب آخر نتمنى أن نسمعه. أو نقرأ عنه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *