التعبئة وغياب الحوار يؤسّسان للأخطر.. اعتقالات متبادلة في غزة والضفة

الاعتقالات المتبادلة في غزة والضفة، نتيجة طبيعية لغياب الحوار، والتعبئة المتبادلة تؤسس للأخطر، حيث تشن الأجهزة التابعة لحكومتي غزة ورام الله حملات اعتقال متبادلة في الضفة والقطاع، طالت العشرات من مناصري حركتي فتح وحماس، وسط خطاب إعلامي متشنج، بلغت فيه الاتهامات المتبادلة حدا لم يسبق له مثيل منذ أحداث غزة عام 2006. وقد بدأت موجة الاعتقالات في أعقاب مجزرة شهدها شاطئ غزة، حين انفجرت عبوة ناسفة بسيارة تعود لعضو المجلس التشريعي والقيادي في حركة حماس “خليل الحية” وأدت إلى استشهاد خمسة من أعضاء الحركة، إضافة إلى طفلة من المتنزهين على الشاطئ، وجرح العشرات.

وجهت حماس التهمة إلى فتح بالمسؤلية عن جريمة الشاطئ، وعن إلقاء قنبلة في الوقت ذاته على منزل أحد قياديي الحركة، فيما اتهمت “متطرفين” بالاعتداء على مقهى في مدينة غزة، والذي جاء أيضاً بالتزامن مع واقعتي الشاطئ ومنزل القيادي في حماس.

لكن فتح نفت أي صلة لها بتلك الأحداث، واتهمت من جانبها حماس بتنفيذ حملة اعتقالات واسعة في صفوف مناصريها، وعمليات دهم لمقارها، دون سبب، كما قالت، سوى تصفية وجود فتح القطاع. أما حكومة غزة، التي فاخرت طوال الوقت باستتباب الأمن في القطاع، فقالت إن الاعتقالات تهدف إلى القبض على المتورطين في الحوادث، وليس هدفها الهجوم على فتح. لم يطل الوقت حتى شرعت حكومة رام الله في تنفيذ حملة اعتقالات واسعة النطاق، طالت مناصري حماس بالضفة، مدّعية العثور على أسلحة ومتفجرات بحوزة المعتقلين.

ووقع تطور أمني لافت للانتباه عندما اشتبكت أجهزة الأمن في غزة مع الجماعة المسماة “جيش الإسلام” على خلفية اعتقال مناصرين للجماعة المذكورة، يبدو أنهم على علاقة بالهجوم على المقهى، والذين وصفتهم بيانات الداخلية في الحكومة المقالة بالمتطرفين.

هذه التطورات رافقها تصعيد إعلامي كبير، وعمليات تعبئة مكثفة من الجانبين، فوسائل الإعلام التابعة لحكومة رام الله، قالت إن ما وقع على شاطئ غزة هو نتيجة خلافات داخلية في حركة حماس، واتهمت الأخيرة التي وصفتها بالميليشا والعصابات غير الشرعية، بشن الاعتقالات لإنهاء وجود فتح في غزة، والاستيلاء على مقار الحركة وإحراقها، مستخدمة تعبيرات الجريمة والوحشية في وصف تصرفات حماس، وقد تجاهلت الوسائل المذكورة الإشارة إلى حملة الاعتقالات في الضفة.

أما حكومة غزة فجاءت حملتها أكثر تركيزاً، وحملت قيادات “التيار الخياني الهارب من غزة” المسؤولية الكاملة عن ارتكاب مجزرة شاطئ غزة، خصوصاً بعد تبني كتائب العودة (التابعة لحركة فتح)، المسؤولية عن المجزرة ومباركة “تلفزيون فلسطين لها”، واستهجنت “حماس” تركيز وسائل الإعلام على خبر بعض الاعتقالات التي جرت في غزة، مؤكدة أن الأرقام المذكورة “هي أرقام مبالغ فيها، كما أن معظم المعتقلين تم الإفراج عنهم خلال ساعات، ولم يتبق إلا عدد محدود جداً، حسب مصادر الأجهزة الأمنية، بهدف جمع المعلومات، كما أن مداهمة بعض المؤسسات، جاءت على خلفيات أمنية وقد تمت مصادرة كميات كبيرة من المتفجرات من الكثير من هذه المؤسسات، عدا استخدام بعضها كأداة للتحريض والتآمر لإعادة الفلتان الأمني لغزة. ولذا فإننا نستغرب تجاهل وسائل الإعلام لحجم المجزرة المروعة، وصور الطفلة الشهيدة، والمجاهدين الأبطال الذين سقطوا في المجزرة، وتركيزها على إجراءات الحكومة الفلسطينية لجمع المعلومات للتوصل إلى القتلة.

وقال بيان للحكومة المقالة: كما تعودنا من حركة فتح ومن يتبعها، ومن يرغب بفتات أموالها، أن يقوموا بتدليس وتضخيم الأمور والوقائع على الأرض، ومحاولة تصوير ما يحدث من ملاحقة للقتلة المجرمين وكأنه تصفية لحركة فتح، وذلك للتغطية على ما تقوم به الأجهزة الأمنية في الضفة منذ أكثر من عام، وتستمر به حتى اليوم، من القيام باستهداف المجاهدين والمقاومين، ولكل من ينتمي لحماس، متقاسمة الأدوار مع الاحتلال الصهيوني. وأعلنت الوزارة الاستنفار العام في كافة أجهزتها الأمنية العاملة على الساحة الفلسطينية في قطاع غزة، مشيرة إلى أنها قامت “بإجراءات أمنية مشددة، من أجل ضبط مرتكبي مجزرة الشاطئ التي ارتكبها مجرمون منفلتون، وتقديمهم للعدالة، وأن يقول القانون بهم كلمته”.

وسط هذه الأجواء المحمومة، تذكر رئيس السلطة الفلسطينية الحوار الذي كان أضاع فرصة ثمينة للشروع فيه، أثناء زيارته إلى دمشق، فأعلن من القاهرة عن طلبه من الحكومة المصرية الدعوة إلى حوار فلسطيني خلال أيام. ولعب توقيت الإعلان وشكله دوره في اشتداد حدة التراشق الإعلامي، بدل تبريد الأجواء، فالناطق باسم حماس سامي أبو زهري، اعتبر أن التصريحات التي أدلى بها رئيس السلطة محمود عباس في القاهرة، بشأن وجود ترتيبات لبدء الحوار برعاية مصرية، “تمثل محاولة لصرف الأنظار عن مجزرة غزة الأخيرة”

واعتبر أبو زهري، أن حديث رئيس السلطة عن أسفه على ضحايا المجزرة، هو “كلام بلا معنى، ومحاولة لإبعاد التهمة عن حركة فتح ليس أكثر، لأن وسائل الإعلام التابعة لرئيس السلطة “تلفزيون فلسطين” ابتهجت واحتفلت بمجزرة غزة بشكل يندى له الجبين، وهو ما يعد تبنياً رسمياً من فتح للمجزرة، وتحريضاً على استمرار القتل، ويمثل خروجاً عن كل القيم والمعايير الأخلاقية والوطنية”. أما عن دعوة القاهرة للأطراف الفلسطينية لبدء الحوار، فقد اعتبر المتحدث باسم “حماس” أنه ” أمر لم نسمعه إلا من أبو مازن، وحينما توجه دعوة للحركة بهذا الخصوص، فإنها ستقوم بدراستها”. بالطبع، ردّ المتحدثون باسم حركة فتح على هذه التصريحات، فوصفوها بأنها تعكس رفض حماس الدعوات الصادقة للحوار… ومازال العرض المفجع مستمرا.

إلى أين من هنا؟ لا أحد يعلم، لكن الأكيد فيما يحدث، تأسيسه لمرحلة شديدة القتامة في تاريخ هذا الشعب المنكوب بالاحتلال وأشياء أخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *