هل يدفع الخوف من فياض فتح وحماس إلى الحوار؟

في افتتاح “المؤتمر التأسيسي الأول لبرلمان الشباب المقدسي” في رام الله خلال نهاية الأسبوع الماضي. جدد رئيس السلطة الفلسطينة محمود عباس هجومه المعتاد على حركة حماس، مكرراً ما كان قد تحدث به مراراً عن أن الحركة” وافقت على حل الدولة المؤقتة، من أجل تسويق نفسها على المستوى الدولي”.

الكلام المكرر لا يلفت الانتباه عادة، لكن ثمة ما هو جديد في خطاب الرئيس الفلسطيني، إذ قال إنه ” مع سياسة الحوار”، وإن حماس جزء من الشعب الفلسطيني”، وذلك قبل أن يعود إلى التذكير بالشروط القديمة ذاتها، أي أن يسبق الحوار ” تراجع عن الانقلاب، والقبول بكل الالتزامات”.

مقارنة بما قاله عباس في أنابوليس عن” تحرير غزة من القوى الظلامية”، فإن الاعتراف بـ”حماس كجزء من الشعب الفلسطيني”، يمثل تطوراً في مواقف رئيس السلطة، الذي دأب في الآونة الأخيرة على استخدام تعبيرات مثل “العصابات”، و”المليشيات السوداء”، في وصفه للحركة الفلسطينية. كما أن حديثه عن الحوار- وإن أبقى على شروطه المعروفة عنه- يُعدّ تطورا هو الآخر. فهل هناك ما يؤشر إلى إمكان حوار فلسطيني – فلسطيني، أم أن رئيس السلطة لا يريد البقاء في خانة الرافض لأي حوار أو إطلاق أية إشارة إيجابية، مقابل الدعوات المستمرة التي تطلقها حركة حماس للحوار، فأورد الكلام المذكور أعلاه ، دون أن يتغير شيء فعلي في أجندته؟

تتداول أوساط فلسطينية معلومات عن تحركات جدية تدور في أكثر من عاصمة عربية من أجل الترتيب للقاء فلسطيني – فلسطيني، يمثل مدخلاً إلى حوار شامل في إطار الناظم السياسي الذي جرى التوافق عليه في القاهرة، (آذار/مارس/2005). وتتحدث هذه الأوساط عن أن الجهود شهدت نوعا من الدفع، بعد انفضاض “سامر” أنابوليس، وانكشافه عن “محصلة صفرية”، فهو لم ينتج سوى توافق على متابعة التفاوض، وبلا سقف زمني محدد، حسب ما أوضح المسؤولون الصهاينة مراراً وتكراراً، مؤكدين أن مهلة نهاية عام 2008 غير ملزمة لهم بأي حال من الأحوال. ولذلك فإن أطرافا عربية كانت لا تولي ترتيب البيت الفلسطيني أي اهتمام سابقاً، أصبحت الآن مؤيدة للحوار الفلسطيني، وتسعى من أجله، خصوصاً وهي ترى تبدلات واضحة في المشهد الدولي الإقليمي، جعل بعضها يشعر بشئ من الخديعة الأمريكية. ففي حين دفعت واشنطن ببعض من هؤلاء إلى اصطفاف إقليمي باسم محور الاعتدال في مواجهة “الخطر الإيراني”، بدأت هي من جانبها تهدئة مع طهران، عبرّ عنها تقرير الاستخبارات الأمريكية وتفاعلاته المستمرة، التي لا تُخفي حقيقة التبدل في الموقف الأمريكي، رغم إصرار بوش وبعض أركان إرادته على الاستمرار في إطلاق تصريحات متشجنة تجاه إيران. وعليه، لماذا تستمر الأطراف العربية هذه في إعاقة الحوار أو منعه، وتحمل تبعات ذلك المعنوية والأخلاقية على الأقل؟

ويضع البعض قرار السلطات المصرية بالسماح لحجاج القطاع للخروج من معبر رفح في سياق التغيرات العربية.

والحال أن الأوساط الفلسطينية المشار إليها تعتبر أن المناخ أصبح مواتياً أكثر لإعادة إطلاق الحوار الفلسطيني –الفلسطيني الذي تعطل كثيرا. وإذ تقرر الأوساط نفسها بأن الأمر ليس سهلا بالمطلق، ولاعتبارات عديدة، فإنها تورد جملة من النقاط لا بد من ملاحظتها، وهي ترى فيها مؤشرات إلى وجود تغيرات مقابل الانسداد الذي ساد سابقا، ومن ذلك (إضافة إلى ما ورد كلام محمود عباس):

تجديد حماس استعدادها لايجاد حل لمسألة المقرات في غزة، عبر تسليمها لطرف فلسطيني ثالث (وحتى لمندوبين مصريين حسب بعض المصادر)، كبادرة تسقط الشرط الذي يواظب رئيس السلطة على وضعه كمقدمة لازمة قبل أي حوار.

إعلان قادة من فتح في الضفة عن أن الحركة ستقاتل إلى جانب حركة حماس إذا وقع أي عدوان صهيوني على قطاع غزة.

إرسال عشرات من كوادر فتح الأساسية مذكرة إلى رئيس السلطة تدعو إلى الحوار، وتحذر مما يقوم به عدد من “الموتورين” ممن يحيطون بالرئيس، رافضين أي حوار فلسطيني – فلسطيني، وملقين بكل جهودهم وراء استمرار التفاوض مع حكومة أولمرت وبأي ثمن. لكن ما يستحق الوقوف عنده في هذه المذكرة، هو التحذير من سياسات رئيس الحكومة، د. سلام فياض، وسعيه إلى الاستئثار بالقرار الفلسطيني، مدعوما من الولايات المتحدة و”إسرائيل “، وصولا إلى وقوفه وراء تشكيل حزب باسم “المنتدى”، يضم شخصيات من رجال الأعمال والملاكين، الذين يتحدثون عن بناء الاقتصاد والازدهار، بينما ما تزال الأرض تحت الاحتلال.

ويبدوأن “أنشطة ” فياض تثير قلقا عميقا في صفوف القيادات الفتحاوية التي تشعر بالتهميش، ويهمس البعض بأن عباس بات متضايقا من رئيس وزرائه، الذي تتمسك به واشنطن. ويبدي الصهاينة حرصا شديدا على بقائه في منصبه، إلى الحد الذي بدأ يثير مخاوف ويطرح تساؤلات داخل المقاطعة، وفي الحلقة القريبة من رئيس السلطة، والتي تضم خليطا يميزه الرهان على المفاوضات مع أولمرت والاستعداد لتبني خريطة الطريق بالكامل، كما يميزه عدم الانتماء لحركة فتح. ولعل الخلاف الذي ظهر إلى العلن مؤخراً بين أحمد قريع ( عضو اللجنة المركزية لفتح، ورئيس طواقم المفاوضات) وبين ياسر عبد ربه ( أمين سر اللجنة التتنفيذية )– بلا تنظيم يبيّن جانبا مما يجري، حيث اتهم قريع عبد ربه بأنه ” فاتح على حسابه “كما يقولون، ولا يلتزم بتعليمات رئيسة بشأن المفاوضات، في حين تبدو الأطر القيادية الفتحاوية ( اللجنة المركزية والمجلس الثوري) مغيبة عن كل ما يحدث في المفاوضات وغيرها.

وعليه، فإن اعتبار “المذكرة ” الموجهة إلى رئيس السلطة من كوادر فتح، ضمن النقاط التي تشير إلى تغيرات قد تقضي إلى الحوار، يعني أن “الفتحاويين” يرون في إعادة ترتيب الوضع الفلسطيني وحل المشكلات مع حماس مصادر قوة لهم، في مواجهة اتجاه يريد أن يمضي بالحركة الوطنية الفلسطينية إلى مسالك وعرة جدا، ويقوض كل ما أنجزته خلال سنين كفاحها الطويل. مع الإشارة هنا إلى أن غالبية مكونات” حزب فياض” هم ممن يطلق عليهم عادة وصف “حزب الأردن”، أي من المناهضين التقليديين للوطنية الفلسطينية.

إلى كل ذلك، فإن ما صرح به الصهاينة بعد أنابوليس، والذي أسقط كل “البضاعة” التي راهن المفاوضون الفلسطينيون على تسويقها للقول إن اللقاء شكل تحولا إيجابيا كبيرا، وكذلك التهديدات الصهيونية باجتياح قطاع غزة، والاستمرار في عمليات القتل اليومي في القطاع، بينت جميعا حدود المراهنة على ” العملية السياسية” التي جرى الوعد بها، بالاستناد إلى “خارطة الطريق” مستحيلة التنفيذ، طالما أنها تبدأ بحرب أهلية فلسطينية، وبإلغاء كل عناصر القوة الفلسطينية قبل البدء بأي تفاوض جدي.

من المنطقي أن البديل في هذه الحالة يكمن في العودة إلى الحوار وترتيب الوضع الفلسطيني في مواجهة الاستحقاقات القادمة، وعبر الإفادة من مناخ موات، لكن إلى أي مدى تبدو الاستجابة لهذا المنطق قريبة؟

في مقابل أجواء من التفاؤل لدى البعض، ترتكز إلى الحقيقة أن الفلسطينيين لن يجدوا مناصا من العودة إلى طاولة الحوار، والاستعانة باتفاقهم على ما يتهدد قضيتهم  ووجودهم، فإن البعض الآخر يحذر من ارتباطات كثيرة ألزمت أطراف السلطة نفسها بها، بحيث باتت تعتبر أن وجود السطة مرتبط بقيامها بالتفاوض، وبتنفيذ خارطة الطريق، ودوماً وفق الأجندة الصهيونية.

إزاء ذلك، يبقى الرهان على شيء واحد فقط: الديناميكية الكفاحية الفلسطينية، والتي أنتجت دوما الحلول المطلوبة للمآزق الصعبة، وإن كان ما تواجهه قضية فلسطين الآن هو الأخطر من بين كل ما تعرضت له، إذ المراد اليوم جعلها شأنا داخليا صهيونيا، يقرر الفلسطينيون تجاهه ما يريدون، ويطالبون بتنفيذه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *