من يقرر باسم الشعب الفلسطيني اليوم؟

ثمة اختراع فلسطيني تتوجب نسبته للرئيس الشهيد ياسر عرفات “رحمه الله” وهو:”القيادة الفلسطينية”، فمع توالي الأزمات المتعلقة بالأطر القيادية الشرعية منذ ثمانينيات القرن الماضي، ابتكر عرفات، وهو الخبير بهذا النوع من الحلول، إطاراً يفصله على هواه وكما يريد، وأسماه “القيادة الفلسطينية”.

ومن المعروف أن الرئيس عرفات كان يحرص على الشكليات حرصاً شديداً، دون أن تكون بالضرورة صحيحة، أو شرعية أو نظامية، لكنه الحرص على الفخامة، والهيبة وإعطاء الانطباع بأن القرار إنما يصدر عن إطار معتبر ويحترم نفسه.

وعموماً تكفي جلسة مع عضو في اللجنة التنفيذية ممن رافقوا الرئيس عرفات أو عملوا معه، للخروج بكم من الطرف والحكايات اللافته، حول كيفية إدارة الرجل لمؤسسات المنظمة والحركة الفلسطينية بما فيها حركة فتح.

بالعودة إلى موضوع القيادة الفلسطينية، فالأزمات المتلاحقة، جعلت من المجلس الوطني إطاراً غير شرعي بإنتهاء ولايته، وكذا الحال مع المجلس المركزي، والأهم اللجنة التنفيذية، التي كانت لمرات كثيرة بلا نصاب، ولم يكن حال اللجنة المركزية لحركة فتح بأفضل من الأطر الأخرى، وهكذا صار التساؤل عن مدى شرعية أي قرار حاضراً، لأنه لم يصدر بالطريقة النظامية المطلوبة، وهنا خرج أبو عمار بفكرة “القيادة الفلسطينية”، وهذه القيادة تضم خليطاً عجيباً من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأعضاء من اللجنة المركزية لحركة فتح، وما تيسر من الأمناء العامين، وفاعليات وطنية، والصفة الأخيرة تطال كوادر ممن نالوا حب الرئيس وبركته، وصحافيين، من حملة الصفة ذاتها، وأصدقاء للرئيس من رجال الأعمال ..أو ..الخ.

وصف أحد القياديين الفلسطينيين هذا الإطار بأنه يضم “من الصرصور إلى العصفور” بمعنى أنك قد تجد فيه كل ما يخطر وما لا يخطر على البال، وهو كان إلى ذلك إطار مطاطاً متبدلاً، ولا يركن إلى حال، فمن يحضر اليوم لا يعني اكتسابه صفة الديمومة والمثابرة، أو حيازة العضوية، فاليوم هنا وغداً في عالم الغيب، وقد يجد بديلاً له وقد حل مكانه.

ما يبدو طريفاً ومثيراً للضحك، كان أمراً على درجة عالية من الخطورة، وللعلم مثلاً فإن الإطار الذي مرر اتفاق أسلو فعلياً هو إطار “القيادة الفلسطينية”، كما أنه هو نفسه من اتخذ القرار بالدعوة إلى مجلس وطني جرى تجميعه بالطريقة ذاتها لإلغاء الميثاق، وهكذا فإن التذرع بوجود هذا الإطار ألغى الحاجة إلى إصلاح المنظمة من وجهة نظر أولئك المسرورين بالوضع الراهن والساعين لاستمراره. وأبطل إمكانية المساءلة في يوم ما عما لحق بالحالة الفلسطينية بل وبالقضية الفلسطينية من ويلات، فمن سيحاسب عندما يتعلق الأمر بتعبير مطاط وبلا معنى اسمه “القيادة الفلسطينية”؟

تجد من يقول إن هذا كان أسلوب الرئيس عرفات في القيادة، حتى مع وجود أطر معتمدة ومحددة. حسناً. وبذلك فإنه عندما اخترع إطار القيادة، كان يخلق نوعاً من الشرعية لما هو قائم به أصلاً، حسناً، رحم الله عرفات، ماذا عما نعيشه اليوم؟

هل لأحد أن يجيبنا إجابة شافية واضحة عن الإطار الشرعي الفلسطيني؟ بالمناسبة: اللجنة التنفيذية، والمجلس المركزي، والمجلس الوطني، منتهي الصلاحية منذ ما قبل استشهاد الرئيس عرفات، وبالمناسبة فإن الرئيس عباس انتهت ولايته، والمجلس التشريعي انتهت ولايته، وسلام فياض كلف أساساً بحكومة تسيير أعمال، وإسماعيل هنية عزل من قبل عباس.

بربكم، من هو إذا صاحب الشرعية؟ ربما هناك من يسأل الآن: ماهي مناسبة الموضوع، ونحن نعرف كل هذا؟ صحيح، ولكن المناسبة هي حديث عباس أمام المجلس المركزي، والمجلس الذي رأيناه على التلفزيون تغير شخوصه بالكامل عن آخر مجلس مركزي المفترض أنه يحمل صفة الشرعية، وهذه أعرف أنها معروفة، ولكن جيل المركزي الجديد تعلم شيئاً واحداً هو الاصغاء بإعجاب لعباس، في المجالس السابقة كان هناك نقاش، والمجلس هيئة تشريعية، يبدو أن مفهوم القيادة الفلسطينية صار يسري على كل شيء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *