مقترحات ناصر جودة تتحول إلى خطة عمل للمفاوضات

بدأت تتضح خلال الأيام الأخيرة نتائج الزيارة التي قام بها الملك الأردني عبد الله الثاني إلى مدينة رام الله، ولقائه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، فقد استؤنف الأحاديث بقوة عن إمكان العودة إلى المفاوضات، وتحرك المبعوثون الأمريكيون من جديد، في حين تحضر الرباعية الدولية، لعقد لقاءات مع طرفي التفاوض الفلسطيني، والصهيوني أواسط الشهر الجاري.
أثناء الزيارة للملك الأردني وبعدها، كتب وقيل الكثير، عن المعاني والدلالات والأهداف المنشودة منها، وفي حينه أفردت مساحة صغيرة جداً للحديث عن صلة الزيارة، بتحريك عجلة المفاوضات المتوقفة، وذلك بالرغم من أن وزير الخارجية ناصر جودة، قد صرح في مؤتمر صحفي برام الله عما يمكن أن يكون مخرجاً من حالة الانسداد التفاوضي القائم بسبب الموقف من الاستيطان.

قال جودة ما معناه: إن من الممكن تخطي موضوع الاستيطان، بالذهاب إلى المفاوضات المباشرة، حول الأمن والحدود، وإذا نجح التفاوض في إيجاد توافق حول هذين الملفين، فإن توقف الاستيطان يصبح تحصيل حاصل.

يعتقد الوزير الأردني أنه قدم حلاً “عبقرياً”، على اعتبار أن تعيين الحدود سوف يوقف الاندفاع الاستيطاني، أو يحاصره، ومن ثم يجري البحث فيه، خلال مرحلة لاحقة من التفاوض، وبعد أن تكون العملية حققت اخترقات هامة.

يذكر هذا بتصور “عبقري” آخر كان طرحه رئيس الديوان الملكي الأردني عدنان أبو عودة، حول موضوع القدس، اقترح أبو عودة، في حينه ما سمي “بالحل البلدي”، وهو يقضي بإقامة عدة بلديات في قدس مقسمة، على أساس ديمغرافي، لكل منها “مرجعيتها السيادية” ولا تكون المدينة “الموحدة” عاصمة لأي من الأطراف، في حين يستطيع كل طرف القول: إن المدينة عاصمته تبعاً للبلدية التي تتبعه.

والحقيقة أن تصورات أبو عودة، شكلت أساساً لكثير من الصيغ التي جرت مناقشتها في المفاوضات اللاحقة، وصولاً إلى كامب ديفيد الثانية، والتي انتهت إلى الفشل، ولا تزال تلك التصورات أساساً لفكرة تقاسم القدس المطروحة في المفاوضات.

سنسمع في الأيام القادمة، كلاماً كثيراً عن مقترحات ناصر جودة، والتي ستصبح مثل مقترحات سلفه بخصوص القدس، أساساُ لمفاوضات تتسارع عملية الإعداء لمباشرتها.

ولعله من المناسب هنا، أن نتساءل عما يدفع بهؤلاء إلى اقتراح حلول وطرح تصورات لصالح العدو، إذ بدلاً من الإصرار على تفكيك الاستيطان، ودحر الاحتلال، يتم التفتيش عن مخارج، تعيد المفاوضات، وتعطي ضوءاً أخضر لمزيد من القضم الاستيطاني.

على كل حال فقد أعاد مسؤولون فلسطينيون التأكيد على أن العودة إلى المفاوضات، مشروطة بوقف أو تجميد الاستيطان، وكما تعودنا، فلا يمكن الركون إلى هذه الأقوال، خصوصاً مع رصد هذه الحركة المتسارعة، والتي تحمل إشارات كثيرة، على أن فريق التفاوض ينتابه الحنين إلى لعبته المفضلة.

سجل خلال الأيام القليلة الماضية، عقد لقاء في عمان بين الملك الأردني، ورئيس دولة الاحتلال شمعون بيرز، كما عقد لقاء آخر جمع بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وتسيبي ليفني زعيمة حزب كاديما الصهيوني.

وشهدت رام الله هي الآخرى حركة نشطة في السياق ذاته، فقد عقد رئيس السلطة الفلسطينية اجتماعاً، مع جيفي سيجمان رئيس مؤسسة الولايات المتحدة، وفي هذا اللقاء شدد محمود عباس على “التزام” الجانب الفلسطيني بعملية السلام، على أساس حل الدولتين، كما أكد على أن “الجانب الفلسطيني قدم كل ما هو مطلوب منه، ونفذ كل التزماته، في ما يتعلق بالجهود الدولية لاستئناف المحادثات المباشرة مع إسرائيل”.

وفي اليوم التالي للقاء سجمان، حط في رام الله جيفري فيلتمان مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية، وكان استئناف المفاوضات محور اجتماعه برئيس السلطة الفلسطينية، حيث تطالب الولايات المتحدة السلطة الفلسطنية بالعودة الفورية إلى طاولة المفاوضات، وعدم التوقف عند الشرط المتصل بتجميد الاستيطان.

هذا الموقف الذي يظهر الصلة، بين مقترحات ناصر جودة، والحركة الأمريكية وتحرك الرباعية، اعتبره كبير المفاوضين صائب عريقات، التفافاً على بيان سابق للرباعية، موضحاً أن “البيان نص حرفياً أنه يجب على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي تقديم مقترحاتهما بما يتعلق بملف الحدود والأمن خلال تسعين يوماً” ومن الملاحظ هنا أن لا ذكر للاستيطان، فالحديث يدور حول مقترحات تتصل بالأمن والحدود.

عريقات أكد أن ” القيادة الفلسطينية سلمت مقترحاتها للجنة الرباعية، فيما ترفض إسرائيل تقديم مقترحاتها حتى اللحظة”، مجدداً “استعداد القيادة الذهاب للمفاوضات إذا أوقفت إسرائيل الاستيطان بما يشمل القدس، وقبلت حل الدولتين وفق حدود 1967”.

لن يكون هناك حديث في ملف الاستيطان في الاجتماعات التي ستجريها الرباعية، في الرابع عشر من الجاري، مع الطرفين، وحتى عريقات نفسه، يشير إلى أن الجانب الفلسطيني سيتلقى من الرباعية المقترحات الصهيونية المتعلقة بالأمن والحدود، ويبدو الإصرار على إبقاء بند الاستيطان حاضراً، محاولة لحفظ ماء الوجه، والإبقاء على وجود نقطة معلقة، سيتم حذفها مع الضغوط الموجهة لاستئناف المفاوضات، مع بقاء الاستيطان، تماماً كما اقترح الوزير الأردني، وفي هذا ما يؤشر إلى أن السيد الوزير، ليس صاحب الفكرة، بل كان هناك من حمله إياها للقيام بتسويقها، تماماً كما فعلها سلفه، حيث كشف بعد وقت طويل أن فكرة “الحل البلدي” في القدس، كانت مدار نقاش في الأوساط الصهيونية والأمريكية التي توصف عادة بالأكاديمية، لن يمر وقت طويل حتى ينكشف المصدر الفعلي لمقترحات ناصر جودة، ويصبح حينها ما هو معروف، مفضوحاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *