مشاركة عرب في هرتزليا أبعد من التطبيع

ما بين الحادي والثلاثين من كانون الثاني الماضي وحتى الثاني من شهر شباط الجاري، انعقد مؤتمر هرتزليا السنوي في الكيان الصهيوني، تحت عنوان “في عين العاصفة.. إسرائيل والشرق الأوسط”. المؤتمر ينعقد سنوياً منذ العام ألفين، وينظمه “معهد السياسات الاستراتيجية في المركز المتعدد المجالات في هرتزليا”، ويسعى الصهاينة من خلاله، إلى تقليد منتدى “دافوس”، الذي يبحث في السياسات الاقتصادية والاستراتيجيات العالمية.

ومن الناحية العملية، فإن الخلاصات التي تصل إليها البحوث والنقاشات في هرتزليا كل عام، أضحت تحتل مكانة هامة في تخطيط السياسات الصهيونية، ويمكن من ناحية أخرى تلمس شكل الهواجس التي تسيطر على التفكير الصهيوني من خلال تتبع النقاشات والنتائج التي ينتهي إليها المؤتمر، أقله في الخطوط الاستراتيجية العامة، في حين تبقى كثير من التفاصيل، وأنماط التعامل المقترحة في التعامل مع التحديات، ملكاً لعدد من المؤتمرين، ولدوائر صنع القرار في كيان الاحتلال.

في إطار التقليد لدافوس، يسعى المنظمون الصهاينة إلى إشراك شخصيات دولية في أعمال المؤتمر، حيث يدعى هؤلاء لإلقاء محاضرات، والمشاركة في بعض الندوات، وقد لاحظنا أن الاهتمام قد تركز هذا العام على مشاركة شخصيات عربية في المؤتمر، حيث سجلت مشاركة ولي العهد الأردني السابق حسن بن طلال، ورئيس طاقم المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، وأكاديمي قطري، مقرب من العائلة الحاكمة، يدعى سليمان شيخ، فضلاً عن مشاركين مصريين، ومن جنسيات عربية ـخرى.

الحقيقة ـنها ليست المرة الـولى التي تسجل فيها مثل هذه المشاركة العربية، وفقط في المؤتمر السابق، كان سلام فياض رئيس حكومة السلطة الفلسطينية في رام الله، ـحد المشاركين البارزين فيه.

تمثل المشاركة العربية، رغم هامشيتها، أحد أخطر أشكال التطبيع مع كيان الاحتلال، خصوصاً حين يدور الحديث عن البحث في استراتيجيات، وأشكال التعامل مع التحديات الكبرى، وهي تعني موافقة ضمنية على العناوين والأهداف التي يحددها هذا المؤتمر لنفسه، على سبيل المثال، فإن مدير مركز هرتزليا الجنرال احتياط داني روتشيلد يقول: “لم يوفر عام 2011 لإسرائيل ما ترغب فيه، وهو التخلص من سورية والمقاومة وإيران”، يعني هذا أن الهدف هو موضع بحث في كيفيات تحقيقه في العام الجاري، والمشاركة العربية، تعني مشاركة في العمل من أجل هذا الهدف، وفي هذا ما يتجاوز التطبيع بأشكاله ومخاطره المعروفة، إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير.

عموماً، فقد وصلنا إلى مرحلة، لم يعد الكثير مما يجري فيها مفاجئاً، ولكن هذا لا يعني الكف عن رفع الصوت في فضح الممارسات القذرة، أياً كانت العناوين التي يجري التلطي خلفها، والمشاركة المشار إليها خطرة، ومرفوضة، وتدل على انحدار غير مسبوق في أداء عدد من الدول العربية، والتي تسعى بجهود محمومة، إلى نزع صفة العدو عن كيان الاحتلال، بل ومشاركته في التخطيط لمستقبله، ما يعني استمراره في العدوان على الشعب الفلسطيني والأمة العربية.

أما على صعيد الأجواء التي سادت المؤتمر، فقد بدا أن القلق يسيطر على كيان الاحتلال، إذ دار الحديث عن مرحلة من عدم الوضوح، جراء التطورات والتغييرات التي وقعت في عدد من الدول العربية، وظل القلق من المشروع النووي الإيراني قائماً، فضلاً عن التحديات التي طرحها منسوب التسلح في المنطقة.

يعمل العقل الصهيوني دوماً، على إظهار ثنائية “الضعف والقوة”، وهذا كان سائداً أيضاً في مؤتمر هرتزليا الأخير، فقد تكررت عبارة “الخطر الوجودي”، كما تكررت عبارات عن القدرة “على مواجهة التحدي الوجودي”.

من الهام درس الخلاصات التي انتهى إليها الصهاينة في مؤتمرهم، إن هذا يعزز القدرة على فهم آليات تفكير الكيان القلق والطارئ والملفق، وكيفية التعامل معها راهناً ومستقبلاً، مع أن لا مستقبل بعيداً لدولة الاغتصاب والعدوان، حتى لو أن بعض من يحملون صفة العرب وضعوا أنفسهم في شراكة معها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *