حوار مع جريدة ”رأي اليوم”: الربيع أجمل بكثير من مما حصل في عالمنا العربي

بيروت- رأي اليوم- حاورته: فرح مرقه

تلمّس الإعلامي الفلسطيني نافذ أبو حسنة “بذورا فردية” لانتفاضة فلسطينية ثالثة في القدس ومناطق الضفة الغربية، أبدى تفاؤله فيها باعتبار الفلسطينيين دوما “يثبتون قدرتهم على الابتكار والتكيّف مع الظروف المحيطة”، مظهرا أسفه على كون المساهمات الفردية الفلسطينية لم تكن تحت مظلة “استراتيجية شاملة لإدامة الاشتباك مع العدو ومقاومة وجوده”.

وعدّ أبو حسنة المقيم في بيروت، ما تقوم به السلطة الفلسطينية من “تنسيق أمني” مع العدو، كـ” خيانة” لكل مفردات المقاومة المفترض تواجدها في قواميس “منظمة التحرير الفلسطينية” والتي غدت أبعد عن الاسس التي قامت عليها سابقا.

واعتبر الرجل، خلال استضافته لـ”رأي اليوم” بمكتبه في العاصمة اللبنانية، أن الفلسطينيين اليوم يواجهون “خطرا وجوديا” بعد كل الدمار الذي تسببت فيه الأحداث التي طرأت على المنطقة، والتي لا يعترف بتسميتها “ربيعا عربيا”.

“الربيع أجمل بكثير من أن يجلب لبلادنا العربية كل هذا الدم”، قال ذلك الاعلامي ابو حسنة، وهو ينبه إلى أن أكثر الدول المركزية التي كانت تحمي القضية الفلسطينية وتنتفض لأجلها باتت اليوم منشغلة بالحروب المجنونة التي تشن عليها.

الدرس المستفاد مما جرى في فترة “الربيع العربي” شديد القسوة حسب أبو حسنة، الذي أكد أنه حقق أهم ما يرضى عنه العدو الاسرائيلي والمتمثل بإنهاك الجيوش العربية، وإغراق الشعوب بمشاكل دولهم الداخلية، وإبعاد أنظارهم عن القضية الأساس “فلسطين”.

الأهم من ذلك، ما اعتبره أبو حسنة، درسا صارخا للفلسطينيين أنفسهم، والذين “آمنوا أخيرا أن أحدا غيرهم لن يستطيع إيجاد الجوبة على الأسئلة التي تطرحها قضيتهم”، معتبرا أن السنوات الماضية شهدت بعض التراخي من الفلسطينيين أنفسهم مع الاحتلال، جرّاء ما قامت به السلطة الفلسطينية من “تشديد أمني” على من يهددون أمن عدوها.

وأوضح أبو حسنة أن تشديد السلطة على أبناء الشعب الفلسطيني، سبب الكثير من “الخمول” لدى بعض الشبان الذين فضّلوا عدم الدخول في دوامة المقاومة ومجابهة سلطتهم قبل قوات الاحتلال، وأنهم ارتكنوا إلى فكرة “الاسعاف العربي” لهم كلما اقتضت الحاجة، الأمر الذي أثبتت عكسه “حرب غزة الأخيرة” على سبيل المثال لا الحصر.

“حرب غزة نصر كبير مهما قال الآخرون ومهما ادّعوا.. يكفي الفلسطينيين في كل مكان أن صنم الكيان تهدّم.. والنصر المذكور هو فاتحة الانتفاضة القادمة حتما”، قالها أبو حسنة بحماس، افتقده صوته حينما كان يتحدث عن السلطة الفلسطينية.

الفلسطينيون في المعادلة الدولية..

الكاتب والإعلامي الفلسطيني أبو حسنة قال إن الفلسطينيين اليوم يعيشون الكثير من “التهميش” لهم ولقضيتهم جراء الفوضى التي تحياها المنطقة، معتبرا أن “القضية الفلسطينية” ما عادت “مركزية” في ضوء الانشغال عنها بالحرب على الارهاب وغيره من الاشكالات الاخرى في المنطقة.

مشكلة الفلسطينيين وكثير من العرب أنهم ظنوا أن “الربيع العربي” سيزهر في القدس وبتحرير فلسطين، في الوقت الذي يبدو فيه المشهد أن ما يسمى بـ”الربيع العربي” جاء بجلّه على حساب قضية فلسطين والفلسطينيين، حسب أبو حسنة.

الاعلامي الأنيق، عدّ الفرصة مواتية أمام الفلسطينيين لإعادة المكانة الحقيقية لقضيتهم، عبر إدامة الاشتباك مع العدو، “فعندما يكون الفلسطيني مشتبكا مع عدوه في حالة انتفاضة سوف يفرض حضوره وسوف تعود فلسطين إلى مكانتها”.

الانتفاضة المستمرة تسهّل على الفلسطينيين والعرب التعرف على ذواتهم مرة أخرى، وفقا لأبو حسنة، الذي عدّ ذلك بداية ليعود الصراع في المنطقة إلى أصله الحقيقي كمواجهة بين الأمة العربية والمشروع الصهيوني الاميركي العدواني الاستعماري.

الفلسطينيون اليوم يعانون ازمة متعددة الجوانب، وفقا للإعلامي القدير، الذي عدّد جوانب الازمة مبتدئا من “إصرار على تسوية بائسة”، و”إصرار على التنسيق الامني”، و”إصرار على رفض فكرة الاشتباك والمقاومة”.

ردّ الفعل المقاوم اعتبره أبو حسنة موجودا، إلا أنه “للأسف” لا يتبع استراتيجية واضحة في المواجهة، بمعنى “امتلاك برنامج نضالي حقيقي” يجمع كل اشكال المقاومة على الارض، من الحجر إلى الصاروخ ومن فتح ثقب في الجدار العازل الى التصويب على تل ابيب، معتبرا أن “المسألة” في السياق يجب ان تكون تكاملية، وتحتاج إلى قيادة مرجعية وطنية حقيقية، وبرنامج اجماع وطني على النضال في مواجهة الاحتلال، والا سنبقي على “احتلال مرتاح ونبقى تحت الاحتلال دون شك”.

تصويب للمفردات..

مفردات القاموس الفلسطيني، برأي أبو حسنة بات فيها الكثير من المغالطات التي لا بد أن تعاد إلى نصابها، عادّا أولى تلك المغالطات ما تنطوي عليه فكرة “التنسيق الأمني” من تضليل وتجميل لحقيقة “الخيانة” التي تقوم بها السلطة الفلسطينية لقضيتها، مشيرا إلى أن مفردات مثل “الخيانة والعمالة” هي أقرب للتعبير عن حقيقة ما تقوم به السلطة من “تنسيق أمني”.

“السلطة الفلسطينية” كانت ثاني المفردات التي عدّها أبو حسنة وهمية وبحاجة للتصويب، معتبرا أن عدم وجود “دولة” بالأساس يجب أن يؤخذ بالحسبان، معتبرا أن المفردة المذكورة لم تفد الفلسطينيين، بل على العكس جعلتهم يمارسون حياة يظنونها طبيعية في ظروف لا تقترب للعادية أو الطبيعية بحال من الأحوال.

بديل “السلطة” وفقا لأبو حسنة، كان العودة لـ “منظمة التحرير الفلسطينية”، للتذكير بأن “التحرير” هو أهم واجبات هذه المنظمة وليس الخنوع والتنسيق، اللذان أوصلا الفلسطينيين لمرحلة تأكدوا فيها من أن “مواجهة” السلطة ستكون قبل مواجهة “العدو” في حال “انتفضوا لمرة جديدة”.

“الدولة الفلسطينية” أيضا، لا تعدو كونها “وهم السلطة” التي ارتضت لنفسها أن تتسيّد “دولة خدمات” آخر همومها أن توفّر رواتب لموظفيها، حسب تعبير أبو حسنة، مشددا على أن “إعادة تعيين” دور القيادة الفلسطينية واحدة من أولى أولويات المرحلة.

“حكومة التوافق الوطني”، لم تسلم أيضا من تصنيفات أبو حسنة، الذي اعتزل الكتابة في السياسة منذ بدء مرحلة “الفوضى” في المنطقة كما يحبّ أن يسمي المرحلة الحالية في البلدان العربية، رغم أنه اليوم يشغل منصبا رفيعا في تلفزيون “فلسطين اليوم”، الذي يغطي أحوال الفلسطينيين جميعا، ومقرّه الرئيس في بيروت.

الحكومة المذكورة (التوافق الوطني) لم تتجاوز فكرة “المحاصصة على كعكة وهمية” حسب أبو حسنة، الذي أكد أن الحكومة بالطريقة المذكورة لن تشكّل “توافقا وطنيا” كما ينبغي أن يكون، متأمّلا أن يتم التوافق على الأولويات الوطنية قبل “المناصب” في الحكومة من قبل الاطياف الفلسطينية المختلفة.

مصطلح آخر اقترح أبو حسنة اضافته كأساسي للقاموس الفلسطيني، وهو مصطلح “القائد المياوم” معتبرا أن القيادة الفلسطينية اليوم لا تعمل وفق أكثر من هذا المصطلح، دون “بعد النظر” المطلوب للقائد أو حتى مواجهة الأزمات المتجذّرة في بلاده، ودون استراتيجية وطنية شاملة أيضا.

أبو حسنة عدّ القائد الأمثل، غير موجود في الواجهة حتى اللحظة، مشيرا إلى أن واحدة من أهم خصائصه وقوفه إلى جانب شعبه، وليس انحيازه ضدهم، معتبرا أن مجرد تصريح القيادة الفلسطينية بأنها “لن تسمح بانتفاضة ثالثة” يوضح كم ابتعدت الاخيرة عما وجدت لأجله.

القائد الأمثل، بالنسبة لصاحب كتاب “جغرافيا الاستيطان ووهم الدولة” ، يحمل خطة بديلة عن كل خطة يطرحها، أما “ذلك الذي يطرح السلام فقط” دون بدائل في حال رفض عدوه ذلك، فلا يزال بحاجة الكثير من مهارات القيادة، ولم يتعدّ دور “المياومة” في القيادة.

انتفاضة ثالثة !

“وجود الاحتلال يستدعي دوما مقاومته، هذه معادلة واضحة وتاريخية ولا يوجد هناك ما ينفيها، وبالتالي استمرار الاحتلال سوف يستدعي المقاومة وسوف نكون امام الانتفاضة في وقت ما”، حسب التعبير الحرفي لأبو حسنة، الذي اعتبر الوقت اليوم حاملا لظروف “ذاتية مكتملة لانطلاق أو اندلاع انتفاضة الفلسطينية ثالثة”، مشيرا إلى أن الفلسطينيين لا زالوا يثبتون أنهم قادرون على تطوير ديناميّة خاصة بهم في المواجهة، فهم من استخدم الحجر بداية، واليوم يستخدمون الدهس، فـ”الفلسطيني كونه يعاني الاحتلال، هو الأقدر على تطوير وسائل المواجهة”.

الانتفاضة الحالية عدّها أبو حسنة مختلفة عن سابقاتها “لو قامت”، باعتبار أن فيها الفلسطينيين لن يواجهوا العدو وحده، بوجود “عار التنسيق الأمني”، لذا فعلى السلطة الفلسطينية انهاء ذلك التنسيق، لتكتمل العوامل التي تجعل الانتفاضة واقعا قائما.

التنسيق الامني، أيضا له فلسفته المرتبطة بشكل واسع بمضامين “الانقسام الفصائلي” في فلسطين التاريخية، من وجهة نظر أبو حسنة، عادّا الفلسفة المذكورة “غير مقبولة”، وموضحا أنها بالأساس جاءت للتدليل لثبات المفارقة في وقت من الأوقات، بين المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية والأخرى الخاضعة لسلطة حركة “حماس″ في غزة.

وأضاف أبو حسنة في حديثه الشيّق لـ”رأي اليوم” أن الانتفاضة الثالثة حالة حتمية بمعنى ان استمرار الاحتلال غير ممكن، فالمنطق لا يستقيم بذلك، وفقا لأبو حسنة الذي أوضح أنه طالما هناك من يسرق حقوق الناس بشكل يومي، ويذلهم ويغتصب ارضهم، ولا يريد ان يستجيب لكل ما يسمى بمشاريع السلام ومبادراته والخطط وخرائط الطرق، سنجد أنفسنا في حالة مواجهة.

شكل المواجهة القادمة، أكد أبو حسنة أنه لن يكون متوقعا، مؤكدا من خبرته الشخصية أن مقولة فلسفية تنطبقة تماماعلى الواقع الفلسطيني،”الواقع الفلسطيني أغنى من التصورات”.

===

منشور في جريدة رأي اليوم 22/11/2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *