حملة استيطان وتهويد شرسة في القدس.. الاستهداف يطال حتى المقابر

تشن سلطات الاحتلال الصهيوني، حرباً ضارية على مدينة القدس، تجلت عبر سلسلة من القرارات الهادفة إلى استكمال تهويد المزيد من معالمها، إضافة إلى الشروع في تنفيذ مخطط استيطاني جديد، وإذا كانت الحرب على القدس لم تتوقف لحظة واحدة، منذ الاحتلالين الأول والثاني، وشهدت تصعيداً كبيراً منذ العام 1967، فإن الهجمة الراهنة تتسم بشراسة استثائية، مستغلة جملة من العوامل، من بينها استمرار الانقسام الفلسطيني، والتهاون الذي تبديه السلطة الفلسطينية، فضلاً عن الأوضاع التي يشهدها الوطن العربي، والدعم الذي يلقاه الاحتلال دولياً، حيث تتواصل مخططاته في القدس، دون مواقف جدية تكبح العدوان المتصاعد.

العدوان الاستيطاني والذرائع الجديدة

أضاف الاحتلال ذاته سبباً آخر لتصعيد الاعتداءت على القدس، فبذريعة أزمة المساكن التي فجرت احتجاجات من قبل المستوطنين ضد حكومتهم أعلنت الحكومة الصهيونية عن مخططات بناء استيطاني جديدة في مدينة القدس وحولها، وكأن الأرض الفلسطينية التي احتلها الصهاينة منذ ستة عقود ستظل معروضة لحل مشكلات المستوطنين الذين جاؤوا من مختلف أصقاع الأرض ليحلوا مشاكل سكنهم على حساب الفلسطينيين.

المتحدث بسم ما تسمى وزارة الداخلية في دولة الاحتلال، أعلن عن مصادقة الوزير على بناء 1600 وحدة استيطانية في “رامات شلومو” والمقامة على أراضي القدس، مضيفاً أنه سيصادق على بناء ألفين وسبعمائة وحدة أخرى في مستوطنتي “بسغات زئيف، وجفعات هامتوس” المقامتين على أراضي مدينة القدس أيضاً.

القرار الصهيوني الجديد، جاء بعد أيام من قرار مشابه، ويتعلق بإطلاق بناء 930 وحدة استيطانية جديدة في المستوطنة المقامة على جبل أبو غنيم بين القدس وبيت لحم.

يربط الصهاينة بين هذه الهجمة الاستيطانية الجديدة، وما يشهده كيان الاحتلال من احتجاجات تتعلق بأزمة السكن، وفي الحقيقة يتعلق الأمر أصلاً بذريعة مكشوفة، فقرار البناء الاستيطاني في رامات شلومو كان متخذاً منذ وقت طويل، وجرى الإعلان عنه سابقاً أثناء زيارة نائب الرئيس الأمريكي “جو بايدن” لدولة الاحتلال في مسعى لإطلاق المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وحكومة الاحتلال آنذاك، وقيل يومها إن القرار تسبب في أزمة سياسية بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو.

أما الاستطيان في جبل أبو غنيم، وفي المستوطنة التي يسميها الصهاينة هار حوما، فهو متواصل دون توقف، ويظهر المسعى المحموم لخلق وقائع جديدة على الأرض في القدس، وإغراقها بالمستوطنين وتغيير معالمها على نحو كامل.

الاعتداء على الأقصى

قرارات البناء الاستيطاني ليست الوحيدة التي تفضح حقيقة المخططات الصهيونية المتصاعدة تجاه المدينة المقدسة، فقد سجل استهداف متزايد للمسجد الأقصى في الأيام الماضية، ولم يكتف الصهاينة بمنع الفلسطينيين من الوصول إلى القدس للصلاة في الأقصى، بل كان المسجد عرضة للاعتداء.

وذكرت مصادر فلسطينية أن شرطة الاحتلال قامت، منذ ساعات صباح يوم الثلاثاء “التاسع من الشهر الجاري” بإدخال مجموعات صغيرة ومتتالية من المتطرفين اليهود إلى المسجد الأقصى عبر باب المغاربة، وبأعداد أكبر من تلك التي كانت قد أدخلتها في اليوم السابق، مشيرة إلى أن تلك المجموعات قامت بالتجوال في ساحات ومصليات الأقصى وسط حراسة مشددة من شرطة الاحتلال.

اقتحام المستوطنين اليهود الصهاينة للأقصى جاء بالتزامن مع ما يسمى بذكرى “خراب الهيكل” الذي صادف عند اليهود يوم الثلاثاء الذكور، وهو يوم صيام وحداد على ما يعتبره اليهود ذكرى  تدمير هيكل سليمان المقدس “الهيكل الأول” على يد البابليين، وتدمير هيكل هيرودوس “الهيكل الثاني” على يد الرومان أيام القيصر الروماني، حسب ادعاءاتهم.

وعادة ما يستغل الصهاينة هذه الذكرى للاعتداء على المسجد الأقصى، والإدعاء بأن لهم حق فيه، يرى البعض إمكانية تقاسمه مع المسلمين، فيما تدعو جماعات يهودية أخرى إلى هدم الأقصى  تماماً، وإقامة الهيكل مكانه، حتى أن أحد الحاخامات الصهاينة، دعا إلى هدم المسجد ونقل حجارته إلى مكة.

وتلمساً للمخاطر التي يتعرض لها المسجد والمقدسات في المدينة، فقد دعا رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي الفلسطيني القائم بأعمال قاضي القضاة، الشيخ يوسف أدعيس، أبناء الشعب الفلسطيني وخصوصاً أبناء مدينة القدس المحتلة والأراضي المحتلة عام1948 إلى شد الرحال للمسجد الأقصى المبارك لحمايته، وجاءت هذه الدعوة رداً على عمليات الاقتحام المتواصلة لباحات وساحات الأقصى من قبل الممجموعات اليهودية.

وإلى المقدسات، فقد طالت الاعتداءات حتى المقابر، حيث صادقت اللجنة اللوائية للتخطيط لما تسمى بلدية القدس، على المرحلة الأخيرة من الخطة الهادفة إلى إقامة ما يسمى بمتحف التسامح على أنقاض القبور في مقبرة مأمن الله التاريخية في القدس، والتي تعرف أحيانا، باسم ماملا.

يذكر أن المقبرة المذكورة تتعرض لعدوان متواصل منذ الاحتلال الأول عام 1948 ، وجرى قضم أجزاء منها بعد عام 1967، وفي سنوات لاحقة لإقامة ما تسمى حديقة الاستقلال، كما صودرت أجزاء منها لإقامة مواقف للسيارات، ويمثل العمل على إقامة المتحف المذكور خطوة متقدمة جداً تلغي وجود هذه المقبرة نهائياً، وهي  بحسب كتابات المؤرخين تضم قبوراً للصحابة والتابعين، ولعلماء وفقهاء ومحدثين، كما أنها تضم بحسب الرواة ضحايا المذبحة التي اقترفها الفرنجة عند احتلالهم للقدس.

ردود فعل تدعم الاستيطان

يمكن الافتراض بأن ردود الفعل على الجرائم الصهيونية، جاءت في غالبيتها العظمى مستخرجة من أدراج قديمة، فعدا عن الشجب والتنديد، والتحذير من المخاطر التي ستلحق بعملية السلام، لا شيء جديد، وربما جاء الحديث عن أن الخطط الجديدة، قد تلحق الأذى بجهود أمريكية تبذل للعودة بالفلسطينيين والصهاينة إلى طاولة التفاوض، ليكشف عن أشياء غير معروفة، ويجري إسدال الستار عليها تحت ضوضاء معركة تحصيل عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة.

ولكن في هذا الوقت، ربما يكون من الضروري التذكير بشيء آخر، ففي هذا الشهر، وتحديداً في الحادي والعشرين منه تمر ذكرى حريق المسجد في 21/آب– أغسطس عام 1969 ، على يد مجرم حصل على مساعدة كبيرة من المستوطنين وشرطة الاحتلال، على ما أثبتت التحقيقات التي جرت حول الجريمة، وبعد الحريق نشأت منظمات وهيئات مهمتها الدفاع عن الأقصى والقدس، ومارست بالفعل فنون الكلام على تنوعها، أما الأخطار المحدقة بالمدينة فتتزايد، وبتنا نتحدث عن مراحل أخيرة في مخططات الاستيطان والتهويد، من قبيل استكمال الطوق الاستيطاني حول القدس، ومن قبيل إنهاء الاستيلاء على مقبرة مأمن الله، وأيضاً تهديد الحفريات بانهيار الأقصى، وإمكان انهيار مئات البيوت في حي سلوان دفعة واحدة، بسبب الحفريات أيضاً، هل يعني هذا شيئاً؟

———

الثبات (العدد 177) الجمعة- 19 آب – 2011

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *