حماس والجهاد والمؤتمر السابع لحركة فتح المشاركة المحمولة على الآمال والنتائج الغائبة

مقدمة

يوجد فرق كبير بين قيام حركة حماس بمنع أعضاء المؤتمر السادس لحركة فتح من مغادرة قطاع غزة للمشاركة في مؤتمر الحركة المنعقد في بيت لحم بالضفة الغربية عام 2009، وبين قيام رئيس الحركة خالد مشعل بإيفاد مندوب عنه، ليلقي كلمة باسمه أمام أعضاء المؤتمر السابع المنعقد في رام الله بتاريخ 29/11/2016. وربما تغري هذه الواقعة بافتراض حدوث تحول كبير في العلاقة بين الحركتين. بل بين فتح والحركتين الإسلاميتين الفسطينيتين (حماس والجهاد الإسلامي). فقد انتدبت الجهاد من يمثلها في افتتاح المؤتمر أيضاً. فما الذي حدث؟ وهل كان تحميل الآمال على اللحظة السياسية سلوكاً متناسباً مع كم التعقيدات وافتراق التوجهات؟

مؤتمرات فتح والاستثناء:

لطالما حظيت مؤتمرات حركة فتح، أقله منذ الدورة الثالثة لها، باهتمام يتجاوز الإطارات الحركية، إلى الساحة الوطنية، وما هو أبعد منها. فالحركة التي أطلقت الكفاح المسلح، والثورة المعاصرة، وتقود المشروع الوطني الفلسطيني، وتسيطر على منظمة التحرير الفلسطينية، تشكل مؤتمراتها محطات هامة في مسار المشروع الوطني. وتقدم مؤشرات حول وجهته ومساره.

وقد لعب تباعد المسافات الزمنية بين دورة انعقاد وأخرى للمؤتمر العام للحركة، من جهة، وارتباط الانعقاد بأحداث وتحولات كبرى، من جهة أخرى،  دورهما في جعل مؤتمرات فتح، محمولة على الاستثناء. وهذا حال المؤتمر السابع، فهو انعقد وسط استقطابات حادة على المستوى الحركي، ومع استمرار الانقسام الفلسطيني، وبوجود تدخلات عربية شديدة الوضوح والسفور. كذلك تحت وطأة الانسداد الذي يواجهه الخيار التفاوضي، وتراجع مكانة القضية الفلسطينية عربياً وغير ذلك. حتى وإن بدا مؤتمراً لحسم الصراع الداخلي، أكثر من صلته بتحديد وجهة استراتيجية تجيب على التحدي الذي يطرحه تغول الاحتلال، ثم جاءت مشاركة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وخصوصاً مشاركة حماس في افتتاح أعمال المؤتمر، لتضيف جديداً على طابع الاستثناء الذي يحمله المؤتمر.

لماذ؟:

لسنوات طويلة، لم تواجه حركة فتح منافساً مُهدداً لزعامتها ولتصدرها المشهد الفلسطيني. وقد درج في الخطاب الفلسطيني تعبير “الفصيل الثاني” في إشارة إلى القوة الفلسطينية التي تلي فتح في حضورها على الساحة الوطنية. وهي إشارة تحيل إلى انتفاء الندية. وتفرض نسقاً لترتيب حجوم القوى وأدوارها، حتى كان هناك من يتهم فتح بأنها تقيم “الشراكة الوطنية” وفق مفهوم الاستتباع، بحيث تتولى هي توزيع الأدوار والحصص، وتعيين المكانة أحياناً.

لم يبق الأمر على حاله، مع بروز حركة “حماس” التي أعلن عن تشكيلها آواخر عام 1987، وحضرت في المشهد بقوة مع تطور الانتفاضة الشعبية الفلسطينية عام 1988. فقد بدأت الحركة مسارها “منافساً” لفتح ولمنظمة التحرير الفلسطينية. وفشلت جولات حوار متعددة منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، في إنهاء الخلافات بين الحركتين. والذي تفاقم بشدة بعد فوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006  وصولاً إلى الاشتباك المسلح الذي انتهى بسيطرة حماس على قطاع غزة.

لم تنته الحوارات التي أعقبت ذلك الفصل الدامي، إلى نتائج مختلفة عن تلك التي سبقته. ومع بدء التحضيرات لانعقاد المؤتمر السابع لحركة فتح، لم تكن علاقة الأخيرة بحركة حماس، خارج مشهد الاشتباك المتجدد بعد فشل تطبيق “اتفاق الشاطىء” وحكومة الوحدة الوطنية، وقيام السلطة في رام الله، باستصدار قرار قضائي لتأجيل الانتخابات المحلية بعد فترة طويلة من التحضيرات. والذي عادت معه موجة تبادل الاتهامات. لكن أياً من الطرفين لم يكن يملك القدرة على إخفاء الأزمة التي يعانيها.

تشارك الأزمات:

واجهت “فتح” التي تعاني انسداد الخيار التفاوضي، بسبب سياسة نتنياهو، أزمة داخلية قاسية، بسبب نشاط عضو اللجنة المركزية المفصول محمد دحلان، وما عرف بحالة “التجنح”. وفاقم تلك الأزمة تدخل “الرباعية العربية” التي سعت إلى إعادة دحلان والمتجنحين إلى صفوف الحركة. الأمر الذي تجاوب معه رئيس فتح محمود عباس جزئياً في البداية قبل أن يعود إلى رفضه، ويفجر أزمة مع الرباعية العربية. وهكذا لم تعد حماس وحدها تواجه ارتباكا في علاقاتها العربية، بل انضمت إليها فتح.

لم تكن حماس بعيدة عن التأزم الداخلي أيضاً،  ولكن حجم الاشتباك على المستويين الوطني والإقليمي، أزاح الحديث عن الأزمة الداخلية لصالح ما يبدو أشد خطورة وأثراً. فالحركة تجري” مراجعة داخلية (خلف) أبواب مغلقة، أفضت فيما أفضت إليه، إلى اعتراف رئيس المكتب السياسي، بأن حركته أخطأت حين اعتقدت أنه يمكنها أن تكون بديلاً لحركة فتح، ووارثة لها. وأخطأت أيضاً عندما عملت على حكم قطاع غزة، من دون تقاسم للاعباء مع الشركاء في الوطن، (..) وأنها وصلت إلى حائط مسدود يقتضي منها واجب الاستدراة” (1)

وفي الوقت الذي بدا فيه رئيس فتح محمود عباس في حاجة إلى تعزيز شرعيته فلسطينياً، وإلى من يعينه في مواجهة  دحلان. خصوصاً وأن أطرافاً في حماس مدت جسور تواصل مع خصمها السابق. كانت حماس تعيد ترتيب الحسابات لتتجاوب مع الدعوة إلى حضور مؤتمر فتح، ما يعكس ” إدراك الحركة للطابع الاستراتيجي للعلاقة مع حركة فتح بقيادة الرئيس عباس، (..) أما العلاقة مع تيار دحلان، فهي ذات طابع تكتيكي ينطلق من التعامل بحكم الأمر الواقع مع ثقل لا يستهان به لهذا التيار في قطاع غزة، والحرص على استمرار تدفق المساعدات إلى قطاع غزة عبر قناة دحلان، والاستفادة مما قد تفتحه العلاقة معه من نافذة لحركة حماس باتجاه مصر” (2). وترى حماس أنه “طالما الرئيس محمود عباس رئيس السلطة وفتح والمنظمة، فحماس ستلتزم بالتعامل معه والتحاور والاجتهاد للوصول لمصالحة حقيقية”(3)

لقاء الدوحة:

تحت وطأة ضغوط الرباعية العربية توجه محمود عباس إلى تركيا وقطر، ليعقد في الأخيرة لقاء مع قيادة حماس. اعتبره كثيرون لحظة فارقة سوف تفضي إلى وقوف القيادي في حماس، وعضو المجلس التشريعي “أحمد الحاج علي”، مخاطباً أعضاء مؤتمر فتح باسم خالد مشعل.

هنا يمكن الحديث عن غموض صغير. فمصادر حماس فضلاً عن المصادر الفلسطينية تتحدث عن أن رئيس السلطة لم يضع في برنامجه لقاء مع قيادة حماس، خلال زيارته إلى الدوحة. وعن أن اللقاء الذي عقد، تم بترتيبات (أو ضغوط) قطرية، في منزل وزير الخارجية  القطري. وتسرب بعض مصادر حماس كلاماً عن غضب في أوساط الحركة جراء موافقة مشعل على لقاء عباس الذي لم يبد رغبة في اللقاء. غير أن ما تم تأسيسه على حدوث اللقاء بين الجانبين، يبدو كبيراً، عندما يتعلق الأمر بلقاء الصدفة أو الاجتماع تحت الضغط. وهو ربما يشي بمناورة من رئيس فتح لتحصيل أكبر قدر من المكاسب من حماس، دون التعهد بأي مقابل. وفي اللقاء بدا الرئيس مشغولاً بأمرين، الأول يتصل بمشاركة أعضاء فتح من قطاع غزة في المؤتمر والثاني، حول الموقف من دحلان.

لاحقاً تحدثت فتح عن تلقيها ضمانات بتسهيل سفر أعضاء المؤتمر من غزة، واعتبرت حماس أن  الأمر ” لا يحتاج إلى ضمانات مسبقة ولا لاحقة، ولا يحتاج إلى مباحثات بين عباس من ناحية، ومشعل وهنية من ناحية ثانية، لأمر بسيط، لأنه ليس هناك مصلحة لحماس بمنع أعضاء فتح من سكان غزة من السفر إلى المؤتمر” (4)، مع ذلك، برزت أراء تتحدث عن ضرورة وضع شروط على عباس، بوقف الملاحقة الأمنية بحق أعضاء حماس في الضفة، قبل الموافقة على سفر أعضاء المؤتمر من غزة. فقد اعتبر مصطفى الصواف أن ” المنطق يقول إن طلب عباس كان من المتوقع أن يكون بعده لحماس طلب ليس من باب المقايضة، ولكن من باب حسن النوايا، ولا أعتقد أن الأمر لم يطرح ولم يطالب مشعل بالأمر، وقد يكون عباس رد بإيجابية على طلب حماس، كما ردت عليه بإيجابية، ولكن الكبر الذي عليه عباس حال دون التزامه بتعهده، وهذا دليل على أن هذا الرجل لا عهد له ولا ذمة، ورغم ذلك التزمت قيادة حماس بما وعدت به لأنها دائما عند كلمتها”.(5)

في ما يتعلق بقضية دحلان، قالت مصادر مقربة من حماس، إن “أبو مازن (كان) مسكونا بمشكلته مع محمد دحلان أكثر من أي شيء آخر(..) وفي هذا اللقاء، كما في غيره، تلقى تطمينات من قيادة حماس بعدم دعمها لدحلان، وعدم التدخل في الشأن الداخلي لحركة فتح. وكانت ثمة مخاوف لدى قيادات من فتح من تدخل حماس في محاولة للتأثير على مؤتمر فتح ومخرجاته من خلال “اللعب” بورقة دحلان، خصوصا مع ملاحظتهم لنشاط عناصر مؤيدة لدحلان في قطاع غزة، وإدخالهم لأموال لدعم بعض المشاريع التي تحمل ظاهرا “خيريا”. (6)  .  وشددت مصادر حماس، على أن الحركة لا ” تقف إلى جانب عباس ضد تيار دحلان، فحماس لا شأن لها في هذه القسمة ولا تحبذها، بل وتراها ضارة بالقضية”(7) وكان هناك من ذهب إلى التذكير بـ “أن مشكلة حماس مع دحلان لا تقل عن مشكلة عباس معه، إذ تُحمِّل قطاعات واسعة من حماس دحلان مسؤولية الانفلات الأمني في قطاع غزة ومحاولة الانقلاب على حكومة إسماعيل هنية وإيصال الأوضاع إلى الحسم العسكري الذي قامت به حماس في القطاع صيف 2007. وتنظر حماس بارتياب تجاه دور دحلان الكبير في السعي لإفشال وضرب تيارات “الإسلام السياسي” وقوى المعارضة في المنطقة، كما تضع كثيرا من علامات الاستفهام على علاقاته الإسرائيلية والغربية”(8).

ولذلك لم يبد غريباً توجيه تحذيرات لمحمد دحلان ترى أنه سيخطىء كثيراً ” لو لمز وهاجم حماس” وتنصحه ” بالإبقاء على محاولات تلطيف الأجواء مع الحركة، خصوصاً أن ساحة غزة هي كلمة السر في المعادلة الفتحاوية بشكل خاص، والفلسطينية بشكل عام” (9).

الدعوة والمشاركة بالمشاعر الأخوية:

غضت حماس الطرف عن نشاطات مناصري دحلان الذين تظاهروا في قطاع غزة قبل انعقاد المؤتمر. وكان هذا الأمر مبرراً، فبعض مدن ومخيمات الضفة شهدت هي الأخرى تحركات لمناصري عضو اللجنة المركزية السابق، ولكنها منعت فيما يبدو أنشطة كانت مقررة بالتزامن مع انعقاد المؤتمر. وسمحت أجهزتها الأمنية بمغادرة أعضاء المؤتمر من أبناء القطاع إلى رام الله للمشاركة فيه. وتجاوزت بسرعة مرحلة التشكيك في قيام فتح بتوجيه دعوة إلى حماس للمشاركة، وكذلك التساؤلات حول تلبيتها، ففد وقف عضو المجلس التشريعي “أحمد حاج علي” ليقرأ كلمة خالد مشعل أمام المؤتمرين في رام الله، وذهب الكلام في وجهة أخرى.

استهل مشعل كلمته “بمخاطبة الرئيس عباس بصفاته الثلاث كرئيس لكل من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، والسلطة، وفتح. وأكد جاهزية حماس لكل مقتضيات الشراكة الوطنية مع فتح وجميع الفصائل والقوى والشخصيات الوطنية” (10). وصحيح أن الكلمة تطرقت إلى المصالحة وإنهاء الانقسام، وترتيب البيت الفلسطيني، وبناء المؤسسات الوطنية، وجميعها نقاط خلاف واشتباك بين الحركتين، لكنها جاءت بنبرة تصالحية، وأشارت إلى تاريخ فتح النضالي  وإلى رمزها الشهيد ياسر عرفات ما ترك أثراً طيباً عند المتلقين.

ولكن ما بدا لافتا للانتباه، هو تقديم نوع من الاعتذارية لتسويغ الحضور. المستشار السياسي لاسماعيل هنية، اعتبر مشاركة وفدي حماس والجهاد الإسلامي في المؤتمر “قراراً صائباً، وطبيعياً في العلاقات الحزبية والفصائلية، حيث تتعدد الفصائل والأحزاب” (11). تكرر شيء بهذا المعنى في مقالات كثيرة وصولاً إلى القول بأن حضور “حماس المؤتمر لتشارك الوفود الرسمية والشعبية (..) ليس معناه إقراراً بخطيئة تفاهمات أوسلو، وما كرسته من خطايا وطنية”(12)

تقييم نتائج المؤتمر ومشاركة حماس:

توافقت حركة حماس مع من اعتبر انعقاد المؤتمر ونتائجه “انتصاراً شخصياً لمحمود عباس” (13) وتوافقت مع كثيرين في طرح الأسئلة حول مستقبل فتح بعد المؤتمر، ” فهناك من يرى أن المؤتمر جمع حركة فتح ووحدها،(..) بينما يرى آخرون أن المؤتمر أضعف فتح، ووسع من سلطة الفرد، كما وسع نطاق الدكتاتورية، وهذا يجب مواجهته بأليات مناسبة لكي تسترجع فتح ممن خطفوها”(14) ولم يكن مفارقاً لما هو حاضر في المشهد العام، اعتبار أن “فتح على مفترق طرق خطير،(..) وأن قيادة جديدة تسيطر على تفاصيل المشهد في الضفة الغربية، وربما تدشن مرحلة فتحاوية يعزز فيها الأمن على حساب الثورة، وفيه تتآكل القيادات التاريخية للحركة، والبدء بسيطرة رؤوس المال، وأجهزة الأمن على القرار وسنشهد شكلاً جديداً من أشكال إدارة حركة فتح والسلطة في الضفة” (15)

وهكذا بدا أن نجاح الرئيس في ترتيب الأمور على النحو الذي أراد لم يعن نهاية الأزمة في فتح التي” لم تستطع أن (تملأ) فراغ القيادة في غزة بشخصية قوية(..) الأمر الذي سيجعل لدحلان قوة وقدرة على تحرك لا يمكن التقليل من شأنه.(كما) أن الأردن ومصر والإمارات سيكون لهم دور في التأثير على سلوك الرئيس،(..) ولم تستطع فتح أن تبرز قائداً وطنياً جامعاً بعد الرئيس، الأمر الذي سيجعل الحركة أمام معضلة الخليفة مما سيعيد فتح إلى أزمة الخيارات، (و) المؤتمر حول حركة فتح إلى ذراع أكثر اختفاء وراء السلطة. (و) سيظل المعيق السياسي والمأزقي في العملية السياسية قائماً وكبيراً” (16) ” حققت حماس بدورها بعض الأرباح السياسية والمعنوية من المشاركة في افتتاح المؤتمر السابع ، لعل في مقدمتها إنهاء مسوغات حالة الاضطهاد والملاحقة الذي ظل يشعر بها كوادر حماس في الضفة الغربية”(17) وقد “أخذت حماس بحضورها المؤتمر السابع أكثر مما سلب منها”(18)

قضية محمد دحلان، بقيت حاضرة بعد المؤتمر. فهناك من اعتبر أن الرئيس بعد المؤتمر بات ” أمام مطالبات المصالحة مع حماس، خاصة في ظل مساعدة الحركة (في) توجيه ضربة مهمة لدحلان” (19) ولم يغب التلويح بأنه ” في حال نجح دحلان بعقد مؤتمر فتحاوي وطني، وتم دعوة حماس فلن تتردد باعتقادي في الحضور، فالعلاقات الوطنية دوماً تضيف للحالة الوطنية العامة والخاصة أيضاً” (20)

أملت حماس بعد مشاركتها في مؤتمر فتح أن يبادر الرئيس إلى تحريك عجلة المصالحة. ولكن شيئاً من هذا لم يحدث حتى الآن، وباستثناء لقاء اللجنة التحضيرية لعقد المجلس الوطني الفلسطيني، في بيروت، ولأسباب فتحاوية محضة، لم نشهد اختراقاً جدياً في العلاقة بين الطرفين وما زالت حماس ترى أن التحدي الذي تواجهه فتح، “يتعلق بثلاث أزمات أساسية: الأولى مرتبطة بالرؤية والمسار السياسي وإعادة عمل مراجعة جادة لمسار التسوية السلمية وتجربة المنظمة والسلطة لإعادة توجيه البوصلة باتجاه خدمة المشروع الوطني الفلسطيني. والثانية مرتبطة بالبنى الداخلية والتنظيمية لفتح ومعالجة ما أصابها من ترهل وفساد. والثالثة مرتبطة بالقيادة وما تحتاجه من تجديد ودماء شابة وعلاج مرحلة ما بعد عباس” (21)

مشاركة حركة الجهاد الإسلامي:

مرت مشاركة “حركة الجهاد الإسلامي” في افتتاح أعمال المؤتمر السابع مروراً هادئاً وعلى نحو ما كان متوقعاً. فلم تلق كلمة باسم الأمين العام، ولم تكن هناك اشتراطات لتلبية الدعوة، ولا آمال يمكن أن  تحمل عليها عبر “المشاركة البرتوكولية”.

تحتفظ “الجهاد” بعلاقات مع كل الفصائل الفلسطينية، تتفاوت في متانتها، ولكنها قائمة مع الجميع. ورغم أنها تملك موقفاً حاداً من التسوية مع دولة الاحتلال، وتتحاشى “برامج الإجماع” التي تظهر أو تستبطن موافقة على “التسوية السياسية” و”حل الدولتين”، حتى أنها تحفظت على وثيقة الوفاق الوطني، فإنها تبتعد عن “الاشتباك السياسي” و”التراشق الكلامي”، مع الفصائل الفلسطينية، ما منحها موقعاً وسطياً بين القوى والفصائل، مع وضوح موقفها وخطها السياسي.

غير أن كلمة السر في كل هذا المشهد، تتعلق بحقيقة أن “الحركة” لا تعمل من أجل حيازة حصة من ” كعكة السلطة”. فهي لم تخض انتخابات “المجلس التشريعي”، وأعلنت في موقف لافت، عزوفها عن المشاركة في ” الانتخابات البلدية” التي كان من المقرر إجراؤها العام الماضي. وعندما تبتعد “قوة سياسية وعسكرية” وازنة عن الخوض في ذلك النوع من السباقات التي تثير التنازع، فإن أحداً لن يغضب منها، حتى وهو يخاصمها في العمق. أو يرى في وجودها تهديداً على المدى الطويل.

منذ أشهر اقتحمت الحركة “ميدان السياسة” من خلال المبادرة التي أطلقها أمينها العام “د رمضان عبد الله”، ورحبت بها حماس وقيادات من اللجنة المركزية في فتح، فضلاً عن باقي فصائل العمل الوطني الفلسطيني. بيد أن قراءة أولى أو معمقة لتلك المبادرة لا تشي بأن “الجهاد” تريد دخول ميدان التحاصص، وهذا مصدر رضى إضافي من فتح وحماس معاً. مع ضرورة الإشارة إلى أن الترحيب بالمبادرة، سيعني حين الانتقال إلى تبنيها، الشروع في إعادة تأسيس البرنامج الوطني الفلسطيني. وهو أمر لا تتوفر إشارات جادة على أن أحداً من القوى الفلسطينية المؤثرة يريد العمل به.

يمكن للسطور أعلاه أن تساعد على تفسير المشاركة الهادئة في افتتاح الموتمر السابع لحركة فتح، والتعليق بالهدوء نفسه على النتائج، والذي انصب في غالبيته على حقيقة  “حضور التفاصيل الشخصية وغياب نقاش البرنامج السياسي في سياق الخلاف، مما يجعل المشهد الفلسطيني ينزلق إلى منعطفات ودهاليز انقسام بتفاصيل جديدة”.(22)

وعند نقاش ما جرى عرضه بوصفه برنامجاً سياسياً جاء التأكيد على أن  “الوسائل التي حددها السيد عباس لإنجاز الأهداف الوطنية لبرنامجه السياسي جميعها وسائل مطلوبة ومشروعه ولكنها تبقى عرجاء بدون المقاومة المسلحة . فتعزيز صمود الشعب الفلسطيني فوق أرضه من أهم وسائل النضال الوطني(..) والمطلوب فقط تفعيل الآليات التي حددها الرئيس لتحويل الصمود واقعاً فعلياً داعماً للمقاومة بكافة أشكالها وفي مقدمتها المقاومة المسلحة”(23).

وقد شكل التركيز على خيار المقاومة قاسما مشتركاً في التعليقات المنشورة في جريدة “الاستقلال” الناطقة ياسم الجهاد في غزة ، والتي طالبت الفصائل “أن تحافظ على الثوابت الفلسطينية, وألا تستسلم لسياسة السلطة ذات الخيار الأوحد, وان تدرك عظم دورها الوطني في حفظ حقوق الشعب الفلسطيني, الذي قدم عظيم التضحيات من اجلها, وأولها حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف, والتمسك بفلسطين التاريخية من نهرها إلى بحرها, وهذا لن يتأتي إلا بالتمسك بالمقاومة كخيار استراتيجي لا بديل عنه, من اجل الوصول إلى أهدافنا, ودحر الاحتلال عن أرضنا السليبة والمغتصبة”.(24)

وكان لافتاً أن جريدة “الاستقلال”  أعادت نشر مقالات لمناصري دحلان، مثل “عدلي صادق” و”حسن عصفور”، ونشرت بالمقابل مقابلات أجراها محررو الجريدة مع قياديين في حركة فتح مثل” عبد الله عبد الله” و”أمين مقبول” والعضو المنتخب للجنة المركزية “أحمد حلس”.

كلمة أخيرة:

يمكن الافتراض أن ما قبل مؤتمر قتح هو ما بعد مؤتمر فتح. “انفض السامر” بسرعة قياسية بعد ظهور نتائج المؤتمر التي حسمت مؤقتاً أو لأجل متوسط الأزمة الداخلية للحركة، لكنها لم تقارب الأزمة الوطنية. والتي تحتاج إلى ما هو أكثر بكثير من المناورات الهادفة إلى ترتيب مشهد صغير، بالقياس إلى حجم الإجابات المطلوبة على أسئلة الواقع الصعب. وستظل مشاركة الحركتين الإسلاميتين في أعمال المؤتمر حدثاً يشار إليه، ولكنه ليس من النوع الذي يمكن البناء عليه، أو توقع تغيير يتسبب به.

 

الهوامش:

  • عيسى الشعيبي، رسالة مشعل إلى مؤتمر فتح.. المغازي والمعاني. “العربي الجديد”. 5/1/2016.
  • قراءة في المآلات الإستراتيجية للتحولات في هوية ودور فتح. التقدير الإستراتيجي رقم 95. مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات (بيروت) كانون ثاني/ يناير 2017. أسهم في مسودة التقرير خليل شاهين.
  • ابراهيم المدهون، حماس ودحلان ومؤتمر فتح السابع جريدة “الرسالة” غزة 8/12/2016.
  • يوسف رزقة، المؤتمر السابع وحماس، جريدة “فلسطين” غزة 19/11/2016
  • مصطفى الصواف، إن لم تكن فتح للوطن فلا خير فيكم، جريدة “الرسالة” غزة. 8/11/2016.
  • محسن محمد صالح، حماس وانعقاد المؤتمر السابع لفتح، الجزيرة.نت. 21/11/2016. ونشر على موقع مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.
  • يوسف رزقة، حماس في مؤتمر فتح السابع، جريدة “فلسطين”، غزة. 1/12/2016.
  • محسن محمد صالح، حماس وانعقاد المؤتمر السابع لفتح. م س ذ.
  • ابراهيم المدهون. حماس ودحلان ومؤتمر فتح السابع، م س ذ.
  • قراءة في المآلات للتحولات الإستراتيجية في هوية ودور فتح، م س ذ.
  • يوسف رزقة، حماس في مؤتمر فتح السابع، م س ذ.
  • عبد الله العقاد، حماس ضمانة الوحدة الوطنية، جريدة “فلسطين” غزة. 4/12/2016.
  • يوسف رزقة، تأثير وتداعيات المؤتمر السابع. جريدة “فلسطين”. غزة. 14/12/2016.
  • المصدر نفسه.
  • ابراهيم المدهون، حماس ودحلان والمؤتمر السابع، م س ذ.
  • علاء الريماوي، انتخابات المركزية تتويج للإرادات والمآزق الكبيرة، جريدة “فلسطين” 4/12/2016.
  • عيسى الشعيبي، رسالة مشعل إلى مؤتمر فتح..، م س ذ.
  • ابراهيم المدهون، حماس ودحلان والمؤتمر السابع. م س ذ.
  • علاء الريماوي، انتخابات المركزية، م س ذ.
  • ابراهيم المدهون حماس ودحلان والمؤتمر السابع. م س ذ.
  • محسن محمد صالح، حماس وانعقاد المؤتمر السابع لفتح، م س ذ.
  • أحمد الشقاقي، مؤتمر فتح انتصار وفشل، جريدة “الاستقلال”، غزة. 27/11/2016.
  • وليد القططي، قراءة نقدية في البرنامج السياسي لحركة فتح، جريدة “الاستقلال”، غزة. 11/12/2016.
  • خالد صادق، لحفظ الحقوق، رأي/ الاستقلال، جريدة “الاستقلال”، غزة. 8/12/2016.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *