الرئيس كان يمزح.. أما الضميري؟؟

عندما تحدث رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس، عن وجود اتفاق مع الاحتلال، لتحرير عدد من السجناء يوازي أو يفوق عدد المحررين في صفقة التبادل “وفاء الأحرار”، افترض كثيرون ممن سمعوه، أن الرجل يريد الظهور بمظهر القادر على أن يفعل شيئاً هو الآخر أيضاً.

ما أدلى به عباس، جاء في أعقاب استقباله الأسرى المحررين، والأسيرات المحررات في مقر المقاطعة بمدينة رام الله، وهو كشف ما وصفه بالسر المذاع، أمام هؤلاء جميعاً، ما يعني أن المقام لم يكن مقام مزاح، بحضور محررين ومحررات، كانوا فرحين بتنسم هواء الحرية ، وينزفون قهراً بسبب حقيقة أن الآلاف مازالوا في السجون، وبينهم مرضى، ومنهم من جاوز في الأسر خمسة وعشرين عاماً. باختصار، مجدداً لم تكن المناسبة مناسبة مزاح، من أي نوع، وقد نفهم أن الرئيس لم يكن يريد أن يترك الميدان للمقاومة في هذا اليوم، ( بعد ذلك بدأت حملة الضميري)، خصوصاً وأن الجميع كانوا يوجهون الشكر لها، ويؤكدون أن السبيل لتحرير الأسرى يكون عبر التبادل. وهو أي السيد عباس، أراد أن يقول لهؤلاء جميعاً: مهلاً، ليست المقاومة هي وحدها القادرة، بل المفاوضات تفعل أيضاً، والدليل هو اتفاق مع الاحتلال، على “دفعة من الأسرى توازي هذه الدفعة .. لقد وعدوني بها بعد الإفراج عن شاليط، وها قد أفرج عنه، فليفعلوا إن كانوا ممن يفي بالوعود”.هذا ما قاله الرئيس، وللدقة اختتم بالقول:” إن كان العهد لديهم مسؤولاُ”، هادفاً بهذه الاستعارة، إلى إظهار لياقته اللغوية كالمعتاد، فضلاً عن مسائل أخرى.

البعض انطلق إلى التحليل فوراً، وكان هناك من قال: إن نتنياهو سيعمل على تعزيز موقف عباس، عبر إطلاق عدد من الأسرى، حتى لا تبدو حماس أقوى منه في الشارع الفلسطيني، وكالعادة تطوع بعض آخر ليقول: إن الأمر يتصل بمروان البرغوثي، وربما أحمد سعادات أيضاً، لأن الاحتلال، لا يريد أن تسجل المقاومة إنجازاً، واندفع بعض ثالث، ليقيم علائق غريبة، بين كلام السيد عباس، والسلوك المتوقع من حكومة الاحتلال، وكانت تلك التعليقات والتحليلات الطريفة، دليلاً آخر،  على عدم فهم العقلية الصهيونية، التي لا تقدم هدايا لأحد، ولا يعنيها بالذات، أن تكافأ أحداً حتى على ما يمنحه لها.

ولكن مهلاً لماذا الخوض في كل هذا، يا جماعة الرئيس كان يمزح. لا أكثر ولا أقل، فما بالكم أطلقتم العنان للتعقيب والتحليل ومحاولة فك الرموز والإشارات؟ الرجل كان يمزح، فهل المزاح ممنوع؟ الحقيقة أنه عاد لتوضيح ذلك ولكن بطريقة جادة، فقد بين في مقابلة مع مجلة التايم الأمريكية، أنه كان اتفق مع إيهود أولمرت، رئيس حكومة الاحتلال السابق، على إطلاق ألفي أسير، أو أكثر، وأن أولمرت وعده بإطلاق الأسرى بعد الإفراج عن شاليط، ولكن أولمرت لم يعد في السلطة الآن! ألم نقل لكم إن الرئيس كان يمزح؟

“عدنان الضميري”، الناطق باسم أمن السلطة الفلسطينة في رام الله لا يمزح، ولأنه كذلك، فقد ظل صامتاً منذ الإعلان عن صفقة “وفاء الأحرار” وحتى ما بعد تنفيذها، وعندما ظهر ناطقاً، كشف عن مكنوناته كلها بصدد الصفقة وانعكاساتها، أما مناسبة الظهور للسيد الضميري، فأخبار تم تداولها في الضفة، عن استدعاءات تقوم بها الأجهزة الأمنية للمحررين وبعض أقاربهم، وبين نفي وتأكيد لحدوث هذه الاستدعاءات، تبين أن الأمر متصل الاحتفالات التي تقيمها الفصائل الفلسطينية وذوو الأسرى للمحررين، في المدن والبلدات والقرى والمخيمات الفلسطينية، ويدور الحديث عن اقتحام احتفال أقامته حركة الجهاد الإسلامي للمحررة قاهرة السعدي، وكان طلب المقتحمين إنزال رايات الحركة، وتكرر الأمر نفسه مع احتفال أقامته حماس في الخليل، وآخر أقامته الجبهة الشعبية في جنين، والقائمة تطول.

السيد الضميري، وفق تصريحاته، اعتبر أن الاحتفالات تستخدم “لخدمة أجندات سياسية حزبية، وغايات انقلابية”، مضيفاً أن الأمر يتعلق بنشاطات محظورة لحماس في الضفة، ونفى وجود استدعاءات للمحررين، دون أن يتحدث عن استدعاء من يقومون بالاحتفال من ذويهم.

واضح أن الضميري لا يمزح، بل يقوم بتوضيح دوره، وهو وأجهزته الأمنية البارعة، لكن ما يدور في البال من أسئلة حقاً: هل يقوم الضميري بذلك لحساب السلطة التي لا تريد أنشطة محظورة لحماس والجبهة الشعبية والجهاد وفتح في الضفة؟ أم لصالح الاحتلال الذي يريد منع البهجة، حتى عن أولئك الذين أفنوا العمر في الزنازين، وخرجوا منها رؤوساً مرفوعة؟

كل إجابة هنا تحمل صفة صادمة، ولا يتوجب إبقاء مكان للاستغراب أو الاستهجان، فهذا المستميت في الدفاع عما يسمى بالتنسيق الأمني، يستطيع أن يفعل كل شيء. وبالمناسبة، من يذكر اليوم ذلك الضابط الأمني الذي قال بعد توقيع أوسلو :إنه مستعد للموت دفاعاً عن المستوطنين، لأن الاتفاق يلزمه بذلك؟ هؤلاء لا يحتلون في الذاكرة أي مساحة، ثمة الكثيرون ممن نفتخر بهم ويحتشدون في ذاكرتنا مثل أسمائنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *