التهديدات الصهيونية من طهران إلى غزة.. التهويل والوقائع

تخفت حيناً وتتصاعد حيناً آخر التهديدات الصهيونية بشن عدوان على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، يستهدف منشآتها النووية المخصصة  للأغراض السلمية، وإذا تغيب، تحت وطأة تناول التهديد الصهيوني وإمكانات تنفيذه، الأحاديث عن الأسلحة النووية التي يمتلكها الصهاينة، والتي تشكل تهديداً فعلياً، للعالمين العربي والإسلامي، يمكن ملاحظة وجهات متعددة في تناول التهديدات التي أطلقها ويطلقها المسؤولون في كيان الاحتلال الصهيوني.

استعدادات ومؤشرات

هناك من يعتقد أن الصهاينة قد أكملوا بالفعل الاستعداد للقيام بالعدوان على إيران، ويستند هؤلاء إلى كثافة التصريحات، واتساع مساحة النقاش حول هذا الموضوع في كيان الاحتلال، خصوصاً في وسائل إعلامه، والتي تكاد تنشر خبراً عن موعد إقلاع الطائرات، متجهة نحو إيران، وإلى ما بات متداولاً عن صفقات تسلح عقدها الصهاينة مع الولايات المتحدة، وتشمل اساساً التزود بطائرات إف35، وبطائرات نقل بعيدة المدى، يمكن أن تمكث في الأجواء، لمدة 15 ساعة متواصلة، ومزودة بمعدات الكترونية متطورة جداً. وتعطي بعض التعليقات في الصحف الصهيونية انطباعاً بجدية التهديد الذي يطلقه المسؤولون الصهاينة، ومن ذلك ما كتبه “أليكس فيشمان” قائلاً:” هناك خطر في لعبة البوكر التي تلعبها إسرائيل، لأنك إن كنت تنشىء تهديداً ولا تنوي تحقيقه، فقد تجد نفسك أضعف كثيراً مما كنت في البداية. حتى أن مط الحبل قد يجعلك تواجه رداً غير متوقع من العدو”.

كما يلحظ القائلون بجدية التهديد، ما يروه مؤشرات من قبل الداعمين الغربيين الأساسيين للدولة الصهيونية، والذين يشاركونها الرغبة في شن عدوان على الجمهورية الإسلامية، ومن تلك المؤشرات: ما يتردد عن استعداد قامت به القوات البريطانية، لجهة تحضير خطط لاستهداف إيران، والحديث الأمريكي المتزايد عن تأكيد التحالف الاستراتيجي مع كيان الاحتلال الصهيوني، وضمان أمنه، والتصدي للأخطار التي يتعرض لها، كما يتوقف هؤلاء عن التقرير الذي أعدته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والذي تعمد الاستناد إلى معلومات استخبارتية جلها قديم ومعروف، ولكنها نظمت في التقرير بطريقة توحي، بأن الجمهورية الإسلامية تقترب بشكل حثيث من امتلاك سلاح نووي، وذلك بقصد إيجاد حشد دولي ضد طهران، وتقديم تبرير مسبق لأي اعتداء صهيوني عليها.

وثمة من يرى بالمقابل أن الكيان الصهيوني يشن حرباً نفسية على الجمهورية الإسلامية، ويسعى في الوقت نفسه إلى صرف الأنظار عن أزماته الداخلية المتصاعدة، وإلى ابتزاز الغرب، والمقصود هنا الولايات المتحدة تحديداً، لكسب مزيد من المساعدات لمواجهة الأزمة، وحتى لخلق مزيد من العقبات في وجه التحرك الفلسطيني تجاه المنظمات الدولية.

ويعتقد أصحاب هذا الرأي، أن الولايات المتحدة الأمريكية، وبصرف النظر عن أراء بعض الصقور في الإدارة وخارجها، لا تريد التورط في حرب تقوم بها دولة الاحتلال على الجمهورية الإسلامية. ويجمعون عدداً من التصريحات الأمريكية التي تشير إلى إمكان إطلاق التفاوض مع إيران، أو تصعيد الضغوط الاقتصادية والسياسية عليها، بديلاً من الحرب. ومع ملاحظة أن محللين صهاينة يعتقدون أن واشنطن لا تستطيع الذهاب بعيداً في مسألة الضغوط الاقتصادية، يشير هؤلاء إلى أن فرض عقوبات على تصدير الوقود الإيراني يعني ارتفاع أسعار البنزين في العالم ارتفاعاً كبيراً ولا يحتاج الاقتصاد الأمريكي، ولا الأوروبي المتعثر، بيقين، إلى هذه الضربة الآن. هذا إلى أن الإدارة في واشنطن لا توافق على التضحية باحتياطيها من النفط لإغراق السوق وخفض الأسعار. فهذا الاحتياطي هو ضمان الولايات المتحدة لمستقبلهاالاقتصادي، ولن تتخلى عنه حتى لو كان ذلك مؤقتاً من أجل أية أزمة في الشرق الأوسط، وهذا ما تدركه حكومة الاحتلال جيداً، وتريد ثمناً من واشنطن، لقاء هذا القول، بأنها قد أوقفت الخطط، لشن العدوان على طهران، أو حتى إعفاء واشنطن من سلسلة عقوبات، تؤذي واشنطن والغرب بقدر ما تلحق الضرر بطهران.

يميل كثير من المحللين الإيرانيين وكثير من الخبراء بالشأن الإيراني، إلى الافتراض بأن دولة الاحتلال، تقوم بعملية تهويش لا أكثر، وأنها لا تستطيع القيام بالعدوان على إيران، فهي لا تملك ممراً لطائراتها من ناحية، وتدرك المخاطر التي ينطوي عليها الرد الإيراني، والذي وصفة القادة الإيرانيون، بأنه قد يمحو “دولة إسرائيل” عن الخارطة. فضلاً عن إشاراتهم المتكررة، إلى أن الولايات المتحدة، لا تريد أن تورطها دولة الاحتلال في حرب الآن، وهي لا تستطيع عملياً، ترك الكيان الصهيوني يتلقى الرد الإيراني المزلزل منفرداً.

وتوجد إشارات هامة ولافتة في الصحف الصهيونية، إلى المشكلات التي يواجهها جيش الاحتلال، سواء ما تعلق منها بالميزانية، أم بما يوصف بالتهديد الناشىء عن التحولات في مصر، والتي أعاد معها المخططون الصهاينة، تقييم الوضع على الحدود مع مصر، عدا عن انعدام الثقة الكاملة بإمكان مواجهة حرب شاملة تنهمر فيها الصورايخ من جبهات عدة.

تقويض غزة

هنا يطرح العديد من المحليين احتمال أن تكون غزة هي الهدف، وبنى التحليل في سياق يقول، إن دولة الاحتلال تريد تغطية أمريكية واسعة للقيام بشن عدوان كبير على غزة، ينتهي إلى تغيير الوضع فيها تماماً، وذلك مقابل التخلي عن خطط توجه الطائرات نحو إيران.

ويدور الحديث عن مخطط لإعادة احتلال القطاع، أو القيام بإحداث شريط محتل، يشطر القطاع الى نصفين، مابين الحدود مع الأراضي المحتلة عام 1948، والبحر، ما يعني تقويض وحدته الجغرافية، وفي الوقت نفسه، إسقاط حكومة حماس القائمة فيه، وإنهاء قدرة قوى المقاومة على الحركة، وهذا السيناريو بحسب محللين أقل كلفة من إعادة احتلال القطاع بالكامل. ويحقق نتائج تشبه إلى حد بعيد الاحتلال الكامل، إذ إنه يغير الوضع القائم في القطاع كلياً، وهو ما فشل فيه الصهاينة في حربهم ما بين 2008-و2009 على غزة، وتغيير الوضع القائم في القطاع، يعني تغييراً في البيئة الاستراتيجية القائمة في المنطقة، ويخلق وضعاً قابلاً لمساومات مختلفة مع السلطة الفلسطينية ومع مصر أيضاً.

أياً كانت الغايات أو الأهداف التي يريد الصهاينة تحقيقها من تصعيد التهديدات، باتجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقوى المقاومة، فأن الاستخلاص الأساسي يتصل بالتغير الكبير في المشهد، والذي لا يشكل ردعاً جدياً لدولة الاحتلال وحسب، بل يضع تساؤلات جدية وحقيقية حول مدى قدرتها على تنفيذ تلك الأهداف تجاه قوى المقاومة والممانعة. ومن المتصور أنه من خلال الشهر ونصف الشهر المتبقي على انسحاب القوات الأمريكية من العراق، سنشهد كثيراً من التهويل والتهديد، وربما التحركات الفعلية التي توجب يقظة كاملة، تجاه سلوك المحور المعادي، وهو ليس صهيونياً فقط، وليس أمريكياً فقط، كما بات واضحاً.

——

الثبات (العدد 188) الجمعة 18 تشرين الثاني-2011

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *