أوراق اعتماد

تُواصل جهات وصلت إلى السلطة في بعض البلاد العربية، وأخرى تفترض أنها في الطريق إليها، تقديم المزيد من أوراق الاعتماد للولايات المتحدة الأميركية، في حين يذهب بعضها مباشرة بأوراقه إلى الكيان الصهيوني، مستعيداً مقولة قديمة، كان عمل بمقتضاها عدد من قادة الدول الأفريقية، وهي “إن الطريق إلى قلب أميركا يمر بإسرائيل”.

المعلومات والتصريحات تتقاطر من هنا وهناك عن قرب افتتاح سفارات للصهاينة، وعن وعود بقطع علاقات وإقامة أخرى، وتعهدات بعلاقة طيبة ووثيقة مع الولايات المتحدة، واقتراب حد الالتصاق من الغرب. ويطرح في الأثناء شعار “بلدنا أولاً” بكثافة لافتة للنظر، ليصب في ذات خانة تقديم أوراق الاعتماد.

حزب “النور” السلفي المصري تميّز بالذهاب مباشرة إلى تطبيق المقولة المشار إليها أعلاه، فأجرى المتحدث باسمه مقابلة مع إذاعة جيش الاحتلال الصهيوني، ليعود بعد يومين إلى الحديث عن أنه لم يكن يعرف أنه يعطي مقابلة لتلك الإذاعة!

بدأت القصة قبل أيام، حين اعتبر زعيم هذا الحزب؛ عماد عبد الغفور، أنه ” ليس في الجلوس مع إسرائيل ما يخالف الشرع”، وأن حزبه يحترم الاتفاقات والمعاهدات التي أبرمتها مصر، في إشارة واضحة إلى اتفاقية كامب ديفيد.

أثارت التصريحات ردود فعل وجدلاً، وجرى تسريب معلومات عن أن شورى الحزب غير راضية عما قاله عبد الغفور، وربما يتم فصله من الحزب، لكن الناطق باسم “النور” يسري حماد تطوع لتقديم تفسيرات، أكدت ما نُسب إلى رئيس حزبه، فقد قال إنه لا مانع من اللقاء مع “إسرائيليين” إذا جاء الطلب عبر وزارة الخارجية المصرية، وأعاد التأكيد على الالتزام بالمعاهدات، واحترام السياح القادمين من “إسرائيل” لأن لهم حق الضيافة، ثم جاءت التصريحات لإذاعة جيش الاحتلال، فالتأكيد مرة أخرى على التزام المعاهدات الموقعة، في تصريحات لم تعرف مناسبتها، أو سبب الإدلاء بها بعد كل ما حدث، سوى الافتراض بأن “النور” يسابق الزمن لتأكيد تموضعه إلى جانب العلاقات مع “إسرائيل”، والتشجيع على التطبيع، طمعا في كسب ودّ دولة الاحتلال، فأميركا، أو العكس ترتيباً.

عندما قال الغنوشي ما قاله أمام “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” التابع للإيباك، مثيراً ردود فعل مستنكرة أيضاً، أخذ البعض على من تولى الرد عليه، التسرع في إطلاق المواقف، داعياً إلى إعطاء الحكام الجدد في تونس، وليبيا، والمحتملين في مصر، مزيداً من الوقت لترتيب أوضاعهم، وتركهم يمارسون تكتيكات، تجنبهم غضب الغرب.. ومن أطرف ما قيل هنا إن الغنوشي لم يكن يعلم الصلة بين معهد واشنطن والإيباك.. معقول؟! إن مجرد قراءة جريدة يومية واحدة، كفيل بكشف تلك الصلة، ومعرفة أن الأمر يتعلق بأحد أبرز منظمات الضغط اليهودي الصهيوني في الولايات المتحدة.

في كل حال، كنا سمعنا هذا الكلام عندما تساءلنا عن غياب فلسطين، عن ميادين التظاهرات، وعند عدم مشاركة الإسلاميين في التظاهرات أمام سفارة الكيان الصهيوني في مصر، وعند انعدام إشارة أي من هؤلاء إلى اتفاقيات كامب ديفيد، قائلين: دعوا الأمر للمستقبل، والشعب سيقرر بشأن هذه الاتفاقيات.. وفي مناسبات أخرى، كان المطلوب هو التريّث، لأن هؤلاء سوف يوجهون الجهد والاهتمام نحو فلسطين وقضية الصراع مع العدو الصهيوني عندما يفرغون من ترتيب أوضاعهم الداخلية.

صمت البعض، وظل البعض الآخر يتحدث عن “ربيع عربي” سوف ينبت أزهاراً في فلسطين..

نحسب أن الصمت لم يعد ممكنا الآن، قصارى القول: إذا كان هؤلاء يريدون أن يبعدوا غضب الغرب عنهم ولا يريدون استفزازه، بالحديث عن فلسطين، والقدس، فلماذا يذهبون بخطوات بعيدة نحو إظهار انسحابهم من القضية الفلسطينية؟ ربما يستطيعون الاكتفاء بالصمت ويتجنبون الإحراج.. في الحقيقة، ورغم الاتهامات بالتعجل، فإن الأمر أبعد من أن يكون “تكتيكاً”.

أما من ينتظرون “الربيع” وخيراته، فالأفضل أن يوجهوا الجهد نحو ربيع فلسطيني مقاوم، نحو إطلاق انتفاضة في فلسطين، طال انتظارها، والحاجة ماسة لها، من أجل حماية القدس وفلسطين، وبوجود انتفاضة في فلسطين سوف يتبين التكتيك المحكي عنه، من الحقائق العنيدة، وتستطيع فلسطين أن تحتل المكان اللائق بها، لا أن تنتظر فراغ البعض من مشاريعهم ليتفرغوا لها، هذا إذا كنا ساذجين إلى الدرجة التي نصدق فيها، أن لفلسطين وقضيتها مكانة على أجندة هؤلاء، وأن نصدق عدم معرفة من تحدث إلى إذاعة جيش الاحتلال بهويتها، وعدم معرفة المتحدث
أمام معهد واشنطن بتبعية المعهد، ومرجعيته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *