دحر الاحتلال

تبدو ردود الفعل المختلفة والمتنوعة على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، طبيعية. وإن كانت في مجملها أقل من المتوقع، نظراً لما تحتله القدس من مكانة لدى الفلسطينيين والعرب والعالم.

وعلى أهمية ما تشهده عواصم ومدن العالم من تحركات رافضة للقرار الأمريكي، تظل الأنظار شاخصة إلى فلسطين المحتلة، ففيها يتحدد مآل الصراع، ليس على القدس وحدها، بل على فلسطين كلها. وفيها يمكن تحويل التحدي الذي فرضه ترامب على الشعب الفلسطيني إلى فرصة.

تظهر نظرة سريعة إلى مجريات التاريخ الفلسطيني، أن القدس كانت دوماً بؤرة وقلب الحدث، فمن هبة نيسان/ أبريل 1920، إلى ثورة البراق 1929، وصولاً إلى انتفاضة الأقصى عام ألفين كان كل اعتداء على القدس يفجر ثورة في فلسطين. ومنذ القرار الأمريكي تتنامى إرهاصات انتفاضة شعبية فلسطينية، لن تقل اتساعاً وشمولاً عن الانتفاضتين السابقتين (1987، 2000).

التحدي والحاجة:

في 1/10/2015، افتتح الشهيد مهند الحلبي، ما سوف يطلق عليه اسم “انتفاضة القدس”، والتي استمرت ما بين صعود وهبوط، متجلية بأنشطة فردية غالباً، وجماعية أحياناً، لترتفع وتيرتها الجماعية، بالتزامن مع إضراب الأسرى، ثم في معركة أبواب الأقصى، التي اندلعت في أعقاب العملية الفدائية في الحرم، ومحاولة الاحتلال إغلاق الأبواب.

طوال الوقت ظل النقاش قائماً حول طبيعة ما يجري، وما إذا كان بالإمكان أن نصفه بالانتفاضة أو الهبة، أم لا؟ ولكن من وسط هذا النقاش كان يمكن الاستنتاج بأن الانتفاضة الشعبية تشكل حاجة للشعب الفلسطيني، وللقضية الفلسطينية. وذلك للتخلص من عبث التفاوض، ومن الانقسام المقيت، ولاستعادة مكانة القضية الفلسطينية، دفعة واحدة.

الآن جاء قرار الرئيس الأمريكي، وفي وقت تشتد فيه الحاجة إلى انتفاضة شعبية فلسطينية متصاعدة، نرى إرهاصاتها المتنامية اليوم، ويتم توضيعها في سياق رد الفعل على القرار الأمريكي. وفي هذا ما يشكل فرصة ويفرض تحدياً في الآن عينه. فالاعتداء على القدس يفجر الثورة، كما يدلنا التاريخ والتجربة معاً على نحو واضح، والقرار الأمريكي اعتداء كبير، ولكن اعتبار الانتفاضة مجرد رد فعل على القرار الأمريكي الخطير، ينطوي على عناصر مهددة للانتفاضة، والتي هي حاجة للشعب الفلسطيني، بما يتخطى مواجهة قرار ترامب وحسب.

دحر الاحتلال دون قيد أو شرط:

في عدد من الاجتماعات (العربية والإسلامية والدولية) وحتى في كثير من مضامين الخطاب السياسي الفلسطيني على اختلاف مشاربه، يمكن ملاحظة الحديث عن “القدس الشرقية” و”القدس الشريف”. وقد تطوع أحد “الكتاب” في صحيفة فلسطينية ممولة من السلطة الفلسطينية، ليوضح للناس “أنهم متسرعون، ولم يمعنوا النظر في القرار الأمريكي، فرئيس الولايات المتحدة لم يقصد القدس كلها، ولكنه يتحدث عن القدس الغربية. والأمريكيون تركوا أمر التفاهم على تقاسم القدس ووضع الحدود للمفاوضات بين الإسرائليين والفلسطينيين”.

إذا جمعنا هذه المؤشرات إلى التلكؤ وحالة الانتظار التي تسود الوسط القيادي السياسي الفلسطيني بغالبيته العظمى، نستطيع أن نلمس سعياً لربط حركة الشارع الفلسطيني وغير الفلسطيني بقرار ترامب، فإذا جرى تقديم صياغة ما تحكي عن أن ما قصده الرئيس الأمريكي هو “القدس الغربية”، وليس كل القدس، انتفت الحاجة إلى الانتفاضة الفلسطينية، وكذا إلى حالة التضامن المتنامية مع الشعب الفلسطيني.

ما يواجهه الشعب الفلسطيني ليس الاعتداء الصهيوني الأمريكي، اليومي والدائم، على القدس وحسب. ما يواجهه هو احتلال وقمع وتهويد للأرض كلها عبر المصادرة والاستيطان والطرد. وبعد تجريب التفاوض الطويل البائس، والاتفاقات التي قضمت وما زالت تقضم الحقوق الفلسطينية، فإن الرد على كل هذا الواقع، يكون من خلال انتفاضة شعبية شاملة ومتدرجة حتى العصيان الوطني الشامل، وبشعار موحد جامع: دحر الاحتلال دون قيد أو شرط.

هذا ممكن. وفلسطين تعود إلى الصدارة، وإلى احتلال مكانتها.

=========

نشرت هذه المقالة في جريدة الإتحاد اللبنانية بتاريخ 23/12/2017

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *