القانون الانتخابي في لبنان بين النسبي والأكثري

مقدمة

تمثل الانتخابات ذروة الممارسة الديمقراطية. في الواقع لا يمكن الحديث عن الديمقراطية دون صندوق الاقتراع، الذي يتم فيه التعبير عن الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للناخبين. ولذلك فقد جرى – عن حق- اعتبار الانتخابات الحرة التجلي الأبرز لتطور الممارسة الديمقراطية على مستوى العالم كله.

وحضر على نحو دائم نقاش حول السبل الأمثل لجعل العملية الانتخابية انعكاساً واقعياً وجدياً لإرادة الناخبين ورغباتهم، بحيث لا يتم تزييف تلك الإرادة وبيد الناخبين أنفسهم. ومن هنا جاء وضع نظم انتخابية، بغية تحقيق الهدف المتمثل بالوصول إلى تمثيل يعكس حقيقة توجهات الناخبين.

في لبنان الذي يعيش في ظل “ديمقراطية توافقية” ناتجة عن تركيبته الخاصة، يدور نقاش منذ سنوات حول النظام الانتخابي الأنسب للبلاد. ولكن هذا النقاش تطور في الأسابيع الأخيرة على نحو بتنا نسمع فيه عبارات تحذيرية من “المصير القاتم”، ما لم يتم اعتماد قانون/نظام انتخابي ملائم خلال المهل الدستورية المتاحة.

ثمة جملة من القوانين والنظم يدور الحديث عنها. وهي على اختلافها تندرج تحت عنوانين رئيسيين هما: النظام الأكثري، والنظام النسبي. ومع أن الحاجة الماسة هي الآن لإقرار نظام انتخابي والتوجه نحو الانتخابات للمجلس النيابي خشية وقوع الفراغ في المؤسسة التشريعية الأم، إلا أن المفاضلة تجري وعلى نحو حثيت بين النظامين، وتنقسم إرادات القوى السياسية المؤثرة حولهما.

النظم الانتخابية والممارسة الديمقراطية:

تتمثل غاية النظام الانتخابي بترجمة أصوات الناخبين إلى مقاعد في الهيئات التشريعية أو إلى مقعد لرئيس البلاد في الدول التي تعتمد انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب. وعليه لابد من مجموعة من المبادىء والقواعد التي تنظم عملية الانتخابات، وهو ما يطلق عليه اسم النظام الانتخابي. وفي بعض البلاد تكون النظم الانتخابية ثابتة ومعتمدة، في حين تتغير في بلدان أخرى، إما بهدف الوصول إلى تمثيل أفضل، وإما انعكاساً لإرادة القوى النافذة والمؤثرة.

ووفق التعريف الذي يقدمه “د نادر عبد العزيز شافي” فإن “الأنظمة الانتخابية هي مجموعة القواعد التي تنظّم عملية انتخاب ممثلي الشعب، أي مجموعة القواعد التي يتم على أساسها تقسيم الدوائر الانتخابية والترشح للانتخابات وإجراؤها وفرز أصوات الناخبين وتحديد الفائزين وكل ما له علاقة بالعملية الانتخابية. فالنظام الانتخابي هو مجموعة التشريعات والقوانين المعمول بها والتي ينتج عنها انتخاب الجسم السياسي الممثل للشعب، كالبرلمان أو مجلس الشعب أو مجلس الشيوخ، أو غيرها”[1].

ثمة من يرى أن ” النظام الانتخابي ليس إلا إحدى التقنيات الناظمة للعملية الانتخابية. ويرى الفقيه الفرنسي دومينيك تيرين في مؤلفه (القانون الدستوري) أنه من المؤسف أن لا تنص الدساتير إلا نادراً على النظام الانتخابي، مما يتيح للسياسيين الذين غالباً ما يستغلون وجودهم في السلطة، إقرار أنظمة انتخابية تتلاءم مع مصالحهم السياسية. وهكذا فالبرلمان الذي لم يعد في استطاعته تحويل الرجل امرأة كما يقال، يستطيع عن طريق النظام الانتخابي، تحويل الأقلية في الرأي أغلبية في البرلمان” [2].

من هنا يكتسب النظام الانتخابي أهمية قصوى للعملية الديمقراطية. فنظام غير ملائم سوف يقدم نتائج معاكسة لإرادة الناس. ولهذا نلاحظ مطالبات من هنا وهناك، وفي أنحاء مختلفة من العالم، بتغيير نظام انتخابي معتمد، لتحقيق العدالة التي تعني حق المواطن في ذهاب صوته إلى الوجهة التي يريد، وليس ضياع هذا الصوت في دهاليز نظام انتخابي يبدد الأصوات ويزور الواقع في ظل الديمقراطية، وعن طريق صندوق الاقتراع بالذات.

تميز لبنان عن البلاد العربية بقدم الممارسة الديمقراطية مجسدة بحق الانتخاب، واستمراريتها أيضاً، فقد عرفت دول عربية عديدة الممارسة الديمقراطية والانتخابات في أوقات مبكرة من عمر استقلالها، ثم غابت عنها الانتخابات لعقود، وبعضها لم يجد فيه المواطنون طريقهم إلى الصندوق حتى الآن.

ولكن الانتخابات في لبنان واجهت في كل دورة انتخابية تقريباً مشكلة “النظام الانتخابي” حتى أن هناك من يقول إن: ” معضلة النظام الانتخابي ليست جديدة وعمرها مذ كان الكيان”[3]. وفي كل مرة كان النظام الانتخابي الذي تجري الانتخابات وفقه محصلة توافق، أو تدخلات تتجاوب مع إرادة طرف أو أطراف نافذين لإقرار قانون انتخابي محدد.

الأكثري والنسبي:

في السنوات القليلة الماضية ارتفعت أصوات تنادي باعتماد نظام انتخابي عادل، رأت أنه يتمثل في اعتماد النسبية أو النظام النسبي، مقابل النظام الأكثري الذي جرت بموجبه الانتخابات السابقة. وبدت المطالبة بالنسبية بمثابة حركة تغييرية تستقطب قطاعات واسعة من اللبنانيين. ولكن التوافق عليها لم يحدث حتى الآن، فمقابل من يريدونها، هناك من يرفضها، وهناك أيضاً من يقبلها بشروط، أو معدلة ضمن ما يطلق عليه: النظام المختلط.

تالياً محاولة للتعرف على النظامين الأكثري والنسبي، وما الذي يعنيه كل منهما.

النظام الأكثري:

“هو من أقدم الأنظمة الانتخابية، واعتمدته بريطانيا، مقترنًا بالدائرة الفردية، منذ القرن التاسع عشر أو ما قبل، ثم تبعتها الدول الأنكلوسكسونية ومنها الولايات المتحدة الأميركية وغيرها. يتم ممارسة هذا النظام عبر أشكال مختلفة، أهمها:

أ – الانتخاب الأكثري على دورة واحدة أو على دورتين:

بمقتضى الانتخاب الأكثري البسيط، أي الذي تحسم فيه النتيجة في دورة واحدة، يفوز المرشّح الذي ينال أكثرية الأصوات، مهما كانت نسبتها من مجموع أصوات المقترعين.

أما في الانتخاب الأكثري على دورتين، فلكي يفوز المرشح عليه أن ينال الأكثرية المطلقة، أي النصف زائدًا واحدًا أو 51 % من عدد أصوات المقترعين، وذلك في الدورة الانتخابية الأولى. وإذا لم يتمكّن المرشّح من نيل هذه الغالبية، فيجري الانتخاب مجدّدًا في دورة ثانية، وفي مدة محدّدة، وهو ما يسمّى بـ«البالوتاج» ballotage، حيث يكون فائزًا في هذه الدورة من ينال أكثرية الأصوات.

ب– الانتخاب المنفرد والانتخاب على أساس اللائحة:

يجري الانتخاب المنفرد في الدائرة الانتخابية التي لا تضمّ سوى مقعد نيابي واحد، بينما يتمّ الاقتراع على أساس اللائحة في الدوائر الانتخابية التي تضمّ مقعدين أو أكثر. يطبق الانتخاب المنفرد في الدوائر الصغرى التي لا تضمّ عددًا كبيرًا من الناخبين، في حين يطبّق الانتخاب الأكثري على أساس اللائحة في دوائر أوسع وأكبر، كالأقضية أو المحافظات أو المدن الكبرى.

الانتخاب على أساس اللائحة يجري بإحدى الطريقتين: الانتخاب باللائحة المعدّلة (Liste avec Panachage)، أو الانتخاب باللائحة المقفلة (Liste Bloquée). في الطريقة الأولى، يمكن للمقترع أن يُدخل تعديلاً على الأسماء المدرجة في اللائحة، سواء بالتشطيب أو التبديل، وذلك وفق رغبته وميوله السياسية، كما هو الحال في نظام الانتخاب اللبناني منذ زمن. أما في الطريقة الثانية، اللائحة المقفلة، فلا يحقّ للناخب إجراء أي تعديل في اللائحة، إذ عليه ان ينتخب واحدة من اللوائح المتنافسة من دون تعديل فيها. وعليه، يعتبر فائزًا من اللوائح المتنافسة، لملء المقاعد المخصّصة للدائرة الانتخابية، من ينال من المرشّحين أكثرية أصوات المقترعين، سواء من الدورة الأولى أو من الدورة الثانية.(..)

ج- الدائرة الفردية:

صمّمت الدائرة الفردية أساسًا لتكون قاعدة العملية الانتخابية، بحيث أنها تضمّ عددًا غير كبير من الناخبين، ينتخبون فيها نائبًا واحدًا فقط. فالناخب يمارس المبدأ  الانتخابي الديمقراطي، الذي درجت عليه الديمقراطيات العريقة: One Man One Vote، أي صوت واحد لكل رجل. فإنكلترا، التي احتفلت منذ خمسين عامًا بمرور سبعمائة عام على البرلمان الإنكليزي، تعتمد الدائرة الفردية بالنظام الأكثري نظامًا إنتخابيًا ثابتًا متين الصلاحية.

لذلك فإنّ الحكم على الدائرة الفردية، وعلى مدى صلاحيتها، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار النظام الأكثري الذي يطبّق فيها، لأنّه لا يمكن اعتماد أي نظام آخر سواه، أي لا يمكن تطبيق النسبية تحديدًا فيها، طالما يجري انتخاب نائب واحد فقط.”[4]

النظام النسبي:

وهو ” أسلوب في انتخاب أعضاء المجلس التشريعي (البرلمان) على أساس نظام قوائم أو نظام الدائرة الانتخابية الواحدة، حيث يقدم كل حزب قائمة مرشحيه لمقاعد البرلمان جميعها أو بعضها على أن يختار الناخب بصرف النظر عن مكان إقامته قائمة انتخابية بكاملها وليس مرشحين محددين ليتم تمثيل كل حزب أو قائمة في البرلمان، إذا ما حصل على نسبة معينة من الأصوات كحد أدنى من أصوات الناخبين، ونسبة هذه الأصوات من المجموع العام، تحدد نسبة المقاعد في البرلمان”[5]

و”وفق بعض المؤرخين، فإن بلجيكا بدأت تطبيق هذا النظام العام 1899، وقد انتشر هذا النظام في معظم دول العالم، حيث تطبِّقه كل دول أوروبا الغربية باستثناء بريطانيا. وهو يؤمن لكل حزب نسبة في التمثيل البرلماني تعكس نسبة الأصوات التي حصل عليها، ما يُعزّز مفهوم المساواة والعدالة في التمثيل الشعبي. ويتلازم اعتماد هذا النظام مع اعتماد الدائرة الموسَّعة، وليس الفردية.

  • قواعده:

يؤدي نظام الانتخاب النسبي التقريبي إلى توزيع المقاعد البرلمانية في إطار الدائرة الانتخابية بين القوائم أولًا، ثم بين المرشحين ثانيًا.

توزيع المقاعد بين القوائم الانتخابية: تجري عملية التوزيع على مرحلتين: في المرحلة الأولى يتم التوزيع على أساس الحاصل الانتخابي، وهذا الأخير هو نتيجة قسمة عدد أصوات المقترعين في الدائرة الانتخابية على عدد المقاعد النيابية، بحيث تحصل كل لائحة على عدد من المقاعد يتناسب مع عدد الأصوات التي نالتها. مثال على ذلك: إذا كان عدد المقترعين 125 ألفًا، وعدد المقاعد خمسة، يكون الحاصل الانتخابي 25 ألفًا، فإذا افترضنا وجود ثلاث لوائح انتخابية، يمكن احتساب النتائج انطلاقًا من عدد الأصوات التي نالتها كل منها وذلك وفق الآتي:
– اللائحة (أ): 60 ألف صوت ÷ 25 ألف = 2 (مقعدين) والباقي 10 آلاف صوت.
– اللائحة (ب): 46 ألف صوت ÷ 25 ألف = 1 (مقعد) والباقي 21 ألف صوت.
– اللائحة (ج): 19 ألف صوت ÷ 25 ألف = صفر والباقي 19 ألف صوت.
لتوزيع المقاعد الباقية يمكن إتباع ثلاث طرق:

 

طريقة البقايا الكبرى: وهي تقضي بإعطاء المقاعد النيابية الباقية إلى اللوائح التي حصلت على أكبر عدد من الأصوات غير المستعملة.

طريقة المعدَّل الأكبر: وهي تقضي بإعطاء المقاعد النيابية الباقية إلى اللوائح التي إذا قسَّمنا عدد الأصوات التي حصلت عليها على عدد المقاعد التي نالتها زائد واحد وهمي، تحصل على أكبر مخرج.
طريقة هندت (Hondt): وهو عالم رياضيات اخترع هذه الطريقة، (تطبق في بليجيكا)، والتي تقضي بقسمة عدد الأصوات التي حصلت عليها كل لائحة تباعًا على 1-2 -3 -4 -5، ثم توضع الحواصل بالترتيب.
التمثيل النسبي الكامل: حيث تقسَّم الدولة إلى عدد من الدوائر الانتخابية وتوزَّع المقاعد على اللوائح على أساس المخرج الوطني أو الثابت الذي يحدَّد انطلاقًا من مجموع الناخبين. ويتم جمع البقايا من الأصوات التي حصل عليها كل حزب، ليعطى ما يستحق من المقاعد النيابية. ولكل حزب الحرية في إختيار مرشحيه لملء المراكز النيابية التي حصل عليها.
توزيع المقاعد بين المرشحين: في أسلوب القوائم المجمَّدة يكون توزيع المقاعد سهلًا. ويكون الناخب ملزمًا إنتخاب اللائحة بحسب الترتيب المعد سلفًا من قبل الحزب، من دون أن يحق له بإجراء أي تعديل في ترتيب الأسماء. فالمقاعد الثلاثة التي حصلت عليها اللائحة (أ) تعطى لأول ثلاثة مرشحين، وهكذا لبقية اللوائح.
أما في أسلوب القوائم المعدَّلة أو التصويت التفضيلي فيحق للناخب إجراء تعديل في ترتيب أسماء المرشحين، وإعادة ترتيب الذين يختارهم، لكن الأمر صعب من الناحية العملية، وتطلب الأحزاب من مؤيديها التزام ترتيب القوائم التي أعدتها.[6]

بين النظامين:

غالباً ما يشير الباحثون إلى أن كلاً من النظامين ينطوي على حسنات وعيوب. وغالباً فإن اختيار أحدهما دون الآخر للتطبيق في هذا البلد أو ذاك، إنما يعود لطبيعة موائمة النظام المعتمد لإرادة الناخبين والقوى السياسية معاً. وفي البلاد التي تتمتع باستقرار سياسي مديد يبدو النظام الأكثري مناسباً لاستبعاد القوى الحزبية الصغيرة. وثمة من يرى بأن الأكثري الملائم للدائرة الفردية، لا يعود متناسباً مع  الانتخاب على أساس اللائحة. وإذا كان هناك من يرى في النسبي عدالة أكثر، فإنه يشير إلى إمكانية تحكم أحزاب صغيرة باللعبة السياسية ما يؤثر على الاستقرار..وهكذا. حيث تشير موسوعة السياسة إلى أنه ” من المفترض أن يغلب هذا النظام (النسبي) الاتجاهات والبرامج الفكرية والسياسية على حساب الأشخاص، إلا أن ذلك ليس صحيحاً بصورة مطلقة. وهو نظام يدعم نفوذ البيروقراطية الحزبية متمثلة في قيادات الأحزاب ولجانها المركزية والتنفيذية لأنها تقوم باختيار المرشحين، وتحدد ترتيب الأشياء وبالتالي أولويات المقاعد في القوائم. ويعطي هذا النظام الأحزاب الصغيرة نسبياً والمنتشرة في مناطق جغرافية مختلفة فرصة التمثيل في البرلمان، ويشجع قيام تحالفات حزبية ذات طبيعة مؤقتة ويمنع في الغالب هيمنة حزب واحد بشكل مطلق في البرلمان”[7]

ميزات النظام الأكثري: 

  • يظهر النظام الأكثري سهولة في التطبيق وفي معرفة النتائج.[8]
  • يعتبر نظام الانتخاب الأكثري الأقدم والأبسط والأسهل بين مختلف الأنظمة الانتخابية. وتطبقه بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا وكندا وغيرها(..) وكانت فرنسا قد طبقته منذ زمن بعيد في دورتين، قبل اعتمادها نظام الانتخاب النسبي.[9]
  • هو النظام الأمثل عند اعتماد الدائرة الفردية. وهناك رأي خاص للعلاّمة الدكتور إدمون ربّاط، يعتبر فيه أنّ الانتخاب الأكثري المنفرد، أي الدائرة المخصّصة بمقعد واحد، يتميّز بأنّه يحول دون توزيع المقاعد توزيعًا طائفيًا كما هو جارٍ في لبنان، حيث أنّ الدائرة المنفردة تمكّن أي مواطن من ترشيح نفسه مهما كانت طائفته ومذهبه، حتى إذا ما فاز، يكون قد برهن الناخبون بأكثريتهم على أنّهم اختاروه لثقتهم به، بصرف النظر عن دينه. ويرى الدكتور ربّاط في ذلك، طريقة قد تبدو ناجحة لإزالة الطائفية السياسية في لبنان”[10]
  • وعلى الرغم من الشكوك التي تواكب النظام الأكثري لجهة صحة التمثيل، ولا سيما في الدائرة الفردية، فإنّ هذا النظام يوجِدُ في المجالس النيابية أكثرية متناسقة، ويساهم في تكوين ثنائية حزبية تتسلّم السلطات الدستورية وتؤمّن لها الاستقرار اللازم.[11]

عيوب النظام الأكثري:

  • “لا يعطي صورة صادقة وأمينة لحجم الأكثرية والأقلية، وبالتالي لتمثيلهما.
  • يجعل الأكثرية البسيطة في كل دائرة متحكمة بالأقلية، والتي تصبح غير ممثلة ثمثيلاً عادلاً، مهما كانت تمثل من قوة ناخبة في الدائرة، أو على الرغم من مجموع الأصوات التي جمعتها في مختلف الدوائر الانتخابية.”[12]
  • “يحول دون تمثيل قسم كبير من الناخبين حتى لو افترضنا، في أحسن الأحوال، أن عدد المرشحين في إحدى الدوائر كان قليلًا، فإن أحدهم يخسر حتى لو حصل على 49% من الأصوات لمجرد أن منافسه نال 51%، ففي هذا النظام من يربح، ولو بفارق ضئيل، يربح كل شيء، ومن يخسر، ولو بفارق ضئيل، يخسر كل شيء.
  • يعتبر هذا النظام مجحفًا بحق الأحزاب والقوى السياسية، فقد يحصل مرشحو حزب ما على نسبة وازنة من الأصوات في جميع الدوائر الانتخابية من دون أن يتمكنوا من الفوز في أي منها، فيبقى هذا الحزب من دون أي تمثيل في البرلمان، مع أنه يمثل شريحة مهمة من الناخبين. وهو لا يُنصف الأحزاب الصغيرة والمتوسطة الحجم، إذ إن أصوات ناخبيها غالبًا ما تكون موزَّعة على مختلف الدوائر، وقد لا تكفي لاختراق أي واحدة منها والفوز بها.”[13]

ميزات النظام النسبي:

  • “يؤمن نظام الانتخاب النسبي العدالة الحسابية في توزيع المقاعد النيابية.
  • يسمح بالتعددية الحزبية، وبتمثيل كل حزب في البرلمان بحسب نسبة الأصوات التي حصل عليها. وهو بالتالي يعكس التنوع السياسي في البلد واتجاهات الرأي العام. ويُسهم في تمثيل مختلف القوى السياسية والاجتماعية، فيحصل كل فريق على حقه وينال حصة من المقاعد تعادل حصته من مجموع عدد المقترعين، الأمر الذي لا يوفره النظام الأكثري.
  • كما يسهم النظام النسبي في تحديث الحياة السياسية ورفع مستواها لأنه يحد من شخصنة الخيارات السياسية، ويُحفِّز على إنشاء الجبهات والتكتلات القائمة على أساس البرامج السياسية، وينمي الحياة الحزبية.
  • كما أنه يُفسح في المجال أمام النخب السياسية الجديدة والقوى الاجتماعية الصاعدة لدخول البرلمان، ويدفع باتجاه إصلاح الحياة البرلمانية عبر التأثير في قيام كتل برلمانية منظَّمة، وفي إقامة تحالفات بينها بهدف تكوين أكثرية موالية تقابلها أقلية معارضة، وتكوين قاعدة صلبة لقيام حكومات مسؤولة على أساس برامج محدَّدة ومُعلنة وحائزة تأييد الناخبين.
  • كذلك يُشجع على توسيع مشاركة الفئات الاجتماعية في تشكيل اللوائح الانتخابية، وقد أدى في أوروبا مثلًا إلى ارتفاع نسبة المشاركة النسائية في مجالس نواب الدول التي تعتمده إلى ثلاثة أضعاف ما هي عليه في البرلمانات المنتخبة على أساس النظام الأكثري.
  • ولعل الميّزة الأهم لنظام الانتخاب النسبي هي في أنه يقود إلى رفع نسبة المشاركة في الحياة العامة، عن طريق الانتخابات النيابية، لأنه يضمن لجميع المقترعين عدم ذهاب أصواتهم هدرًا، كونهم سوف يتمثلون في البرلمان أيًا تكن اللائحة التي اقترعوا لها. وهذا يحد من إمكان الشعور «بالغبن» أو «الإقصاء» لدى بعض الناخبين.[14]

عيوب النظام النسبي:

  • “بسبب تعدد القوى داخل الندوة البرلمانية، قد يتعذر تأمين الأكثرية اللازمة لقيام البرلمان بواجباته.
  • يحد نظام الانتخاب النسبي من حرية الناخبين لأنه يرتكز على نظام اللائحة الحزبية الانتخابية، ولا يعطي الناخب الحرية في التعديل والتغيير والتشطيب.
  • يتطلَّب نظام الانتخاب النسبي اللجوء الى أساليب حسابية معقَّدة للتوصل الى تحديد ما يحصل عليه كل حزب من مقاعد، كما أنه يمنع اللجوء الى الانتخابات الفرعية لملء مركز نيابي شغر بوفاة أحد النواب أو إستقالته.
  • يؤدي إلى التركيز على المناطق والمراكز الانتخابية الكبيرة في قوائم الأحزاب وإهمال المناطق النائية.
  • عندما يكون عدد الأحزاب كبيرًا فإن التمثيل النسبي في البرلمان يؤدي إلى عدم استقرار سياسي”.[15]
  • يؤدّي إلى تعدّد الأحزاب وتكاثرها، ويتيح لها ممارسة الانضباط الصارم على الناخبين المؤيّدين لها، ما يجعل من الصعوبة وصول نواب لا ينتمون إلى أحد الأحزاب.
  • كما أنّ تكاثر الأحزاب يؤثّر على حسن سير المؤسسات الدستورية، وكذلك يجعل المجلس النيابي مقيّدًا بإرادة زعماء هذه الأحزاب، ما يضعف من دوره المفترض.
  • وبدلاً من أن تستند الحكومات إلى أكثرية نيابية متجانسة ومتراصة يوفّرها النظام الأكثري، نراها تعتمد على أكثرية قائمة على تحالفات ركيكة ينعدم فيها الانسجام، ويسهل تفكّكها عند كل هزّة سياسية، ما يفقد البرلمان فعاليته”[16].

يتبين أن لكل نظام حسناته وعيوبه. ولذلك يطرح بين الفينة والأخرى حديث عما يسمى بـ “النظام المختلط”، وهو الذي يجمع النظامين السابقين، فيأخذ من هذا ومن ذاك لإقرار صيغة نظام يكون ملائماً لرغبات القوى السياسية ومكونات المجتمع.

أيهما الأصلح؟

ربما يكون من المغامرة القول: إن هذا النظام هو الأصلح أو الأنسب للبنان من ذاك النظام نظراً لأن لكل منهما حسناته وعيوبه. ولكن من خلال العرض السابق يتبين أن النظام النسبي يحقق قدراً أعلى من العدالة، ويفسح في المجال كثيراً لزيادة حجم المشاركة في الحياة العامة. ولذلك فإن هناك من يميل إلى اعتماد النظام الأكثري في الانتخابات البلدية والنظام النسبي في الانتخابات العامة (مجلس النواب).

علينا أن نقر بأن طبيعة الديمقراطية التوافقية في لبنان، سوف تنتج قانوناً يستجيب لرغبات القوى السياسية والأطراف النافذة بالدرجة الأولى. ولذلك يبدو الذهاب إلى قانون مختلط هو المرجح، رغم الإقرار شبه العام بأن النسبية هي التي تضمن تمثيلاً صحيحاً وعادلاً في لبنان.

نافذ أبو حسنة

[1] – شافي، د نادر عبد العزيز، نحن والقانون. الأنظمة الانتخابية ومميزات كل منها. الجيش. (بيروت) العدد 2328، تشرين أول/ اوكتوبر/2012.

[2] – الصباغ، عباس. النظام النسبي أكثر عدالة ويجنح إلى اللااستقرار السياسي والمناطقي. النهار (بيروت) العدد 4758. 24/3/2010.

[3] – نفسه.

[4] – شيا، العميد الركن المتقاعد الدكتور رياض. نظاما الانتخاب الأكثري والنسبي والدوائر الصغرى، حسنات وسيئات. الدفاع الوطني. (بيروت) العدد 84. نيسان 2013.

[5] – الكيالي، د عبد الوهاب. موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر. (بيروت) الجزء السادس، ط 3 1995. ص 583

[6] – شافي، د نادر عبد العزيز. م س ذ.

[7] – الكيالي، د عبد الوهاب، م س ذ. ص 583- 584.

[8] – شيا. العميد الركن المتقاعد الدكتور رياض. م س ذ.

[9] – شافي، د نادر عبد العزيز. م س ذ.

 

10- شيا، العميد الركن المتقاعد الدكتور رياض. م س ذ.

[11] – نفسه.

[12] – نفسه.

[13] – شافي، د نادر عبد العزيز. م س ذ.

[14] – نفسه.

[15] – نفسه

16- شيا، العميد الركن المتقاعد الدكتور رياض. م س ذ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *